للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و " الإتيان " في هذا الموضع، كناية عن اسم الجماع" (١).

واختلف أهل التأويل في معنى قوله: {أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: ٢٢٣] (٢):

١ - فقال بعضهم: معنى {أنَّى}، (كيف) (٣).

ومن قال إن {أَنَّى} بمعنى: (كيف)، فالمعنى عنده تخيير في الصفات والهيئة، وفيه قولان:

أحدهما: أن ذلك على الإطلاق، أي: على أي حالة اختارها الواطئ مقبلة ومدبرة، على شق أو قائمة أو مضطجعة وغير ذلك من الصفات إذا اتقى الدبر والحيض، وهو قول: ابن عباس ومجاهد وعطية والسدي وابن قتيبة في آخرين.

ثانيهما: أن ذلك بالنسبة إلى العزل والمعنى: إن شاء عزل، وإن شاء لم يعزل، وهو قول سعيد بن المسيب.

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن ابن عباس: " فأتوا حرثكم أنّى شئتم قال: يأتيها كيف شاء، ما لم يكن يأتيها في دبرها أو في الحيض" (٤).

كذا قاله عكرمة ومجاهد وابن كعب ومرة الهمداني وقتادة والسدي وعبدالله بن علي وابن حجر (٥) (٦).

٢ - وقال آخرون معنى قوله: " أنى شئتم "، متى شئتم (٧).

ومن قال: إن {أَنَّى} بمعنى: (متى) فالمعنى: في أي زمان أردتم، أي من زمن الطهر، وقد اختاره السيوطي وابن عاشور (٨).

قال الضحاك: " {فأتوا حرثكم أنى شئتم}، يقول: مَتى شئتم" (٩).

وقال ابن عباس: " أنى شئتم من الليل والنهار" (١٠).

٣ - وقال آخرون: بل معنى ذلك: أين شئتم، وحيث شئتم (١١).


(١) تفسير الطبري: ٤/ ٣٩٨.
(٢) تفسير الطبري: ٤/ ٣٩٨ وما بعدها.
(٣) هو قول ابن عباس وعكرمة ومجاهد ومحمد بن كعب القرظي وقتادة والسدي وعطية. انظر: جامع البيان لابن جرير: ٤/ ٣٩٨ - ٤٠٠، زاد المسير لابن الجوزي: ١/ ٢٥١ - ٢٥٢، البحر المحيط لأبي حيان: ٢/ ١٧٠. وقال به أيضاً: الفراء في معاني القرآن: ١/ ١٤٤، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ١/ ٢٩٨، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ٨٥، والسمرقندي في بحر العلوم: ١/ ٢٠٥، وهود بن محكم في تفسير الكتاب العزيز: ١/ ٢١١، والواحدي في الوسيط: ١/ ٣٢٩، وبيان الحق النيسابوري في وضح البرهان: ١/ ٢٠٦، وابن جزيء في التسهيل: ١/ ١٢١، والجلال المحلي في تفسير الجلالين-بحاشية الفتوحات الإلهية-: ١/ ١٨٠، وهو ظاهر ما ذهب إليه الرازي في مفاتيح الغيب: ٦/ ٧٨، وأبو حيان في البحر المحيط: ٢/ ١٧٠ - ١٧١.
(٤) تفسير الطبري: ٤/ ٣٩٨. عن أبي كريب قال، حدثنا ابن عطية قال، حدثنا شريك، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
(٥) انظر: الهدي: ٨٦.
(٦) انظر: تفسير الطبري: ٤/ ٣٩٨ - ٤٠٠.
(٧) هو قول ابن الحنفية والضحاك، وروي عن ابن عباس وابن جبير، انظر: جامع البيان للطبري: ٤/ ٤٠٣، زاد المسير لابن الجوزي: ١/ ٢٥٢، البحر المحيط لأبي حيان: ٢/ ١٧٠.
(٨) انظر: همع الهوامع: ٤/ ٣١٧، والتحرير: ٣/ ٣٧١ - ٣٧٢.
(٩) تفسير الطبري: ٤/ ٤٠٣. عن حسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك.
(١٠) تفسير الطبري: ٤/ ٤٠٣. قا الطبري: " حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثنا أبو صخر، عن أبي معاوية البجلي - وهو عمار الدُّهني -، عن سعيد بن جبير أنه قال: بينا أنا ومجاهد جالسان عند ابن عباس، أتاه رجلٌ فوقف على رأسه فقال: يا أبا العباس - أو: يا أبا الفضل - ألا تشفيني عن آية المحيض؟ فقال: بلى! فقرأ: " ويسألونك عن المحيض " حتى بلغ آخر الآية، فقال ابن عباس: من حيث جاء الدم، من ثَمَّ أمرت أن تأتي. فقال له الرجل: يا أبا الفضل، كيف بالآية التي تتبعها: " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم "؟ فقال: إي! ويحك! وفي الدُّبُر من حَرْث! ! لو كان ما تقول حقًّا، لكان المحيض منسوخًا! إذا اشتغل من ههنا، جئتَ من ههنا! ولكن: أنى شئتم من الليل والنهار".
(١١) حيث ظرف مكان، وعبر عنه بعضهم بأين، وهو محكي عن ابن عمر ومالك بن أنس، ونسب إلى سعيد ابن المسيب ونافع ومحمد بن كعب القرظي وابن الماجشون، وقال به: ابن القيم في الزاد: ٤/ ٢٦١. وانظر: جامع البيان للطبري: ٤/ ٤٠١ - ٤٠٢، زاد المسير لابن الجوزي: ١/ ٢٥٢، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ٣/ ٩٥، النكت والعيون للماوردي: ١/ ٢٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>