أنس - رضي الله عنه - من المكثرين السبعة، والمشهور بخدمة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فنال بذلك دعوته المباركة، فكَثُر ماله، وأولاده، وطال عمره، بحيث جاوز المائة، وهو آخر من مات من الصحابة - رضي الله عنهم - بالبصرة.
شرح الحديث:
(عَنْ أنسِ بْنِ مَالِكٍ) - رضي الله عنه -؛ أنه (قَالَ: ألَا) بفتح الهمزة، وتخفيف اللام: أداة استفتاح وتنبيه، يُلقى بها للمخاطب تنبيهًا له، وإزالة لغفلته. (أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا)، وقوله:(سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) جملة في محل نصب صفة لـ "حديثًا"، وقوله:(لَا يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ) جملة من الفعل والمفعول والفاعل، في محل النصب، على أنها صفة لقوله:"حديثًا"، وقوله:(بَعْدِي) ظرف متعلّق بصفة "أحدٌ"، وفي رواية ابن أبي عروبة عن قتادة الآتية:"لَا يُحَدِّثُكُمُوهُ أَحَدٌ بَعْدِي"، وفي رواية البخاريّ:"لا يحدثكم به غيري"، وفي رواية أبي عوانة:"لا يحدثكم أحد سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدي"(١).
قال الحافظ رحمه اللهُ: عَرَف أنس - رضي الله عنه - أنه لم يبق أحد ممن سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غيره؛ لأنه كان آخر من مات بالبصرة من الصحابة - رضي الله عنهم -، فلعل الخطاب بذلك كان لأهل البصرة، أو كان عامًّا، وكان تحديثه بذلك في آخر عمره؛ لأنه لم يبق بعده من الصحابة من ثبت سماعه من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلا النادر، ممن لم يكن هذا المتن من مرويّه.
وقال ابن بطال رحمه اللهُ: يَحْتَمِل أنه قال ذلك لَمّا رأى من التغيير، ونقص العلم؛ يعني: فاقتضى ذلك عنده أنه لفساد الحال، لا يحدثهم أحد بالحقّ، قال الحافظ: والأول أَولى. انتهى (٢).
وقوله:(سَمِعَهُ مِنْهُ) - صلى الله عليه وسلم -، صفة بعد صفة لـ "أحدٌ"، أو حال، ووقع في بعض النسخ:"سمعت منه"، وعليه فالجملة مستأنفة لبيان الحديث. ("إِنَّ) بكسر الهمزة؛ لوقوعها في الابتداء، وقوله:(مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ) خبر مقدّم
(١) "عمدة القاري" ٢/ ٨٤. (٢) "الفتح" ١/ ٣١٤، كتاب "العلم" رقم (٨١).