حديث أنس - يعني: الحديث الذي قبل هذا - بالإفراد، ووَجْهه ما قدّمته من أن أحدهما كان تبعًا للآخر، فحيث أَفرد ذكر الأصل، وحيث ثَنَّى ذكر الصورة. انتهى.
وقال القرطبيّ: وذكر في الرواية الأخرى: أنه كان رجلًا واحدًا؛ فيَحْتَمِل أن يكون هذا في مرتين، ويَحْتَمِل أن يكون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أقبل على أحدهما بالقول بحضرة الآخر، فتصح نسبة القصَّة إليهما جمعًا وإفرادًا، والله تعالى أعلم. انتهى (١).
وفي رواية البخاريّ من طريق شعيب، عن الزهريّ:"ثم قامت تنقلب، فقام النبيّ - صلى الله عليه وسلم - معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة، مَرّ رجلان من الأنصار، فسلّما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
(فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَسْرَعَا)؛ أي: في المشي، وفي رواية معمر:"فنظرا إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ثم أجازا"؛ أي: مضيا، يقال: جاز، وأجاز بمعنًى، ويقال: جاز الموضع: إذا سار فيه، وأجازه: إذا قطعه، وخَلَّفه، وفي رواية ابن أبي عتيق:"ثم نَفَذَا"، وهو بالفاء، والذال المعجمة؛ أي: خَلَّفاه، وفي رواية عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهريّ، عند ابن حبان:"فلما رأياه استحييا، فرجعا"، فأفاد سبب رجوعهما، وكأنهما لو استمرّا ذاهبين إلى مقصدهما ما ردّهما، بل لَمّا رأى أنهما تركا مقصدهما، ورجعا ردّهما. (فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم:"عَلَى رِسْلِكُمَا) - بكسر الراء، وفتحها لغتان (٢)، والكسر أفصح وأشهر؛ أي: على هِينتكما في المشي، فليس هنا شيء تكرهانه، وفيه شيء محذوف، تقديره: امشيا على هينتكما، وفي رواية معمر: "فقال لهما النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: تعاليا"، وهو بفتح اللام، قال الداوديّ: أي قِفَا، وأنكره ابن التين، وقد أخرجه عن معناه بغير دليل، وفي رواية سفيان: "فلما أبصره دعاه، فقال: تعال"، ذكره في "الفتح" (٣).
(١) "المفهم" ٥/ ٥٠٦. (٢) هكذا قال الشرّاح، ولم يذكر في "القاموس" إلا الكسر، فليُحرّر. (٣) "الفتح" ٥/ ٤٧٥، كتاب "الاعتكاف" رقم (٢٠٢٥).