العرب الإيجاز المفهم والإطناب المفخم" (١)، تنويعٌ للكلام لا قصد للتساوي بينهما، وكلها تجري على حسب مقتضى الحال.
أما المساواة فنحو قوله تعالى:{وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}[فاطر: ٤٣]، والإيجاز يكون إيجاز حذف، وإيجاز اختصار أو قِصَر (بكسر القاف وفتح الصاد). فإيجاز الحذف كحذف المسند إليه والمسند والمفعول والتحذير والإغراء، وحذف المفعول أكثرُ أنواع الحذف في الإيجاز نحو: "قد كان منك ما يسوء"، أي كلّ أحد، نحو:{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ}[يونس: ٢٥]، "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، وحذف المضاف نحو:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}[يوسف: ٨٢]، وحذف الصفة نحو: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (٧٩)} [الكهف: ٧٩] أي: صالحة، وحذف الجملة أو الجمل التي يدل عليها السياق نحو:{أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ}[الشعراء: ٦٣]، أي: فضرب ونحو: {فَأَرْسِلُونِ (٤٥) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ} [يوسف: ٤٥, ٤٦]، أي: فأرسلوه فقال: وكثير من أمثال العرب يشتمل على إيجاز لحذف.
وإيجاز الاختصار أداء المعاني بألفاظ أقل منها عددًا دون حذف، بل بتوخِّي ما يفيد من الألفاظ عدةَ معان، نحو قولهم في المثل: "القتل أنفى للقتل"، وقوله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}[البقرة: ١٧٩]، وقوله في الحديث: "ليكن ثوبك إلى الكعبين فإنه أنقى وأبقى" (٢)، وقول المعري: "أولو الفضل في أوطانهم غرباء"، أراد أن يقول
(١) المبرد: الكامل في اللغة والأدب، ج ١، ص ٥٦. (٢) أخرج الترمذي عن الأشعث بن سُليم قال: "سمعتُ عمتي [رُهْم بنت الأسود بن حنظلة] تحدث عن عمها [عبيد بن خالد، قال: بينا أمشي بالمدينة إذا إنسان خلفي يقول: "ارفع ثوبك؛ فإنه أتْقى وأبقى"، فالتفتُّ فإذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: إنما هي بُردة مَلْحاء، قال: "أما لك فِيَّ أُسوة؟ "، فنظرت فإذا إزاره إلى نصف ساقيه". الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة: الشمائل المحمدية والخصائل المصطفوية؛ تحقيق صلاح الدين محمود السعيد (المنصورة: دار الغد الجديد، =