ثانيًا:{إِلَّا ضَلَالًا} أي: إلا عذابًا، قال ابن بحر: واستشهد بقوله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (٤٧)} [القمر: ٤٧](١).
ويجوز أن يكون الضلال أطلق على العذاب المسبب عن الضلال؛ أي: في عذاب يوم القيامة وهو عذاب الإِهانة والآلام (٢).
ثالثًا: يقول نوح - عَلَيْهِ السَّلَام -: ولا تزد الظالمين أنفسهم بكفرهم بآياتنا إلا ضلالًا؛ أي: إلا طبعًا على قلبه حتى لا يهتدي للحق (٣).
رابعًا: قيل: إنما الضلال الضياع والهلاك في أمر الدنيا وما يتعلق بها لا في أمر الآخرة (٤).
خامسًا:{إِلَّا ضَلَالًا} أي: خذلانًا واستدراجًا (٥). والمقصود: أنَّ يخذلوا ويمنعوا الألطاف لتصميمهم على الكفر ووقوع اليأس من إيمانهم، وذلك حسن جميل يجوز الدعاء به، بل لا يحسنَ الدعاء بخلافه (٦).
سادسًا: أو أراد إبهام طرق النفع عليهم حتى تنكسر شوكتهم وتلين شكيمتهم نظير قول موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٨٨)} [يونس: ٨٨] وليس المراد بالضلال: الضلال عن طريق الحق والتوحيد لظهور أنه ينافي دعوة نوح قومه إلى الاستغفار والإِيمان بالبعث؛ فكيف يسأل الله أن يزيدهم منه (٧).
سابعًا: ويحوز أن تكون جملةً معترضة؛ وهي من كلام الله تعالى لنوح فتكون الواو
(١) تفسير القرطبي (١٨/ ٢٩٧)، التفسير الكبير للرازي (٣٠/ ١٤٥)، واللباب (١٥/ ٤٨٩). (٢) التحرير والتنوير لابن عاشور (٢٩/ ٢١١). (٣) تفسير الطبري (٢٩/ ١٠٠)، والخازن (٤/ ٣٤٧)، والبغوي (٤/ ٤٠٠). (٤) تفسير الخازن (٤/ ٣٤٧)، البحر المحيط (٨/ ٣٩٦)، تفسير الكشاف (٤/ ٦٢٠)، تفسير الآلوسي (٢٩/ ٧٨)، تفسير أبي السعود (٩/ ٤١). (٥) تفسير القاسمي (١٦/ ٣٠٠). (٦) تفسير الكشاف للزمخشري (٤/ ٦٢٠) ورد عليه المعلق بأن هذا مبني على مذهب المعتزلة أنه تعالى لا يريد الشر ولا يفعله. (٧) التحرير والتنوير لابن عاشور (٢٩/ ٢١١).