وهو -سبحانه- كثيرًا ما يجمع بين هذين الأصلين إذ بهما تمام الدعوة وظهور دينه على الدين كله، كقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}(١)[التوبة: ٣٣] في موضعين في سورة براءة، وفي سورة الصف، وقال تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}[الحديد: ٢٥]، فهذا الهدى (٢)، ثم قال:{وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ}[الحديد: ٢٥]، فهذا النصر، فذَكَر الكتابَ الهادي والحديدَ الناصر. وقال تعالى: {الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} [آل عمران: ١ - ٤]، فذكر إنزال الكتابَ الهادي والفرقان وهو النصر الذي يفرق بين الحقِّ والباطل.
وسرُّ اقتران النصر بالهدى: أن كلًّا منهما يحصل به الفرقان بين الحق والباطل، ولهذا سمى تعالى ما ينصر به عباده المؤمنين فرقانًا كما قال تعالي:{إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ}[الأنفال: ٤١]، فذكَر الأصلين ما أنزله على رسوله يوم الفرقان، وهو يوم بدر، وهو اليوم الذي فرَّق اللهُ فيه بين الحق والباطل بنصر رسوله ودينه وإذلال أعدائه وخزيهم، ومن هذا قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (٤٨)} [الأنبياء: ٤٨] فالفرقان: نصره له على فرعون وقومه، والضياء والذِّكر: التوراة، هذا هو معنى الآية، ولم يُصِب من قال: إن الواو زائدة، وأن "ضياءً" منصوب على الحال، كما بيَّنا فسادَه فى "الأمالي المكية"، فتبيَّن أن