{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}[يس: ٤٠]{كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ}[الأنبياء: ٩٣]{وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ}[الأنفال: ٥٤]، وإن كانت مضافة إلى ما بعدها في اللفظ، لم تجد خبرها إلا مفردًا، للحكمة التي قدمناها قَبْلُ، وهي: أن الأصلَ إضافتُها إلى النكرة المفردة، فتقول: كلُّ إخوتك ذاهب، أي كلُّ واحد منهم ذاهب، ولم يلزم ذلك حين قطعتها عن الإضافة فقلتَ: كلٌ ذاهبون؛ لأن اعتمادها إذا أفردت على المذكورين قبلها، وعلى ما في معناها من معنى الجمع، واعتمادها إذا أضفتها على الاسم المفرد، إما لفظًا وإما تقديرًا؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وكُلُّكُم مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِه"(١) ولم يقل: "راعون ومسئولون ". ومنه:"كلُّكم سَيَرْوَى"(٢). ومنه قول عمر:"أو كلكم يجد ثوبين"(٣)، ولم يقل تجدون، ومثله:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}[الرحمن: ٢٦] وقال تعالى: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}[البقرة: ١١٦] فجمع، وقال تعالى:{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً}[مريم: ٩٣].
فإن قيل: فقد ورد في القرآن {كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ}[الإسراء: ٨٤]{كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ} وهذا يناقض ما أَصَّلتم.
قيل: إن في هاتين الآيتين قرينة تقتضي تخصيص المعنى بهذا اللفظ دون غيره؛ أما قوله تعالى:{قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ}؛ فلأن
(١) أخرجه البخاري رقم (٨٩٣)، ومسلم رقم (١٨٢٩) من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -. (٢) قطعة من حديث طويل يرويه أبو قتادة الأنصاري -رضي الله عنه- أخرجه مسلم رقم (٦٨١). (٣) تقدم ص / ١٨٠.