اختلف أهل العلم في الجزية كيف تُجبى؟ لقوله تعالى:{ ... عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}[التوبة: ٢٩] ، فروي عن ابن عباس أنه قال: يمشون بها مُلَبَّبين (١) ، وقال قتادة: عن يدٍ: عَن قَهْرٍ، وعنه
-أيضاً-: يعطونها نقداً، يقول: عن ظهر يدٍ،
= ونظائر هذه الحادثة أكثر من أن تحصى، فقد ألقى الشيطان على ألسنة أوليائه أن صوّروا فتوى فيما يحدث ليلة النصف في الجامع، وأخرجوها في قالب حسن، حتى استخفوا عقل بعض المفتين فأفتاهم بجوازه، وسبحان الله! كم تُوصِّل بهذه الطريق إلى إبطال حق وإثبات باطل! وأكثر الناس إنما هم أهل ظواهر في الكلام واللباس والأفعال، وأهل النقد منهم الذين يعبرون من الظاهر إلى حقيقته وباطنه لا يبلغون عشر معشار غيرهم، ولا قريباً من ذلك، فالله المستعان» . ا. هـ كلامه -رحمه الله تعالى-. وقال ابن كثير في «البداية والنهاية» (١٤/١٦) أحداث سنة (٧٠٠ هـ) ما نصه: «وفي يوم الإثنين قرئت شروط الذمة على أهل الذمة، وألزموا بها، واتفقت الكلمة على عزلهم عن الجهات، وأخذوا بالصغار، ونودي بذلك في البلد، وألزم النصارى بالعمائم الزرق، واليهود بالصّفر، والسامرة بالحمر، فحصل بذلك خير كثير، وتميّزوا عن المسلمين» ، وانظر: «أحكام أهل الذمة» (٣/١٢٩٥- ١٢٩٩- ط. الرمادي) ، و «تشبيه الخسيس» للذهبي (ص ١٩١- ضمن مجلة «الحكمة» العدد الرابع- بتحقيقي) . (١) ذكره ابن الجوزي في «تفسيره» (٣/٢٨٦) . وقال: رواه أبو صالح، عن ابن عباس. قلت: أخرج روايته: ابن المنذر في «الأوسط» (١١/١٥) قال: حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد، قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن أبي بكر، عن أبي صالح، عن ابن عباس. وهذا إسناد ضعيف. فأبو صالح اسمه: باذام، أو: باذان. مولى أم هانئ، ضعَّفه جماهير أهل العلم، وقال الحافظ في «التقريب» (٦٣٤) : ضعيف يرسل. ومروان بن معاوية، مع أنه ثقة حافظ، إلاّ أنه كان يدلِّس أسماء الشيوخ. كما في «التقريب» (٦٥٧٥) . ولم يتبيّن لي اسم شيخه. ويحيى بن عبد الحميد بن عبد الرحمن، الحِمَّاني -بكسر المهملة، وتشديد الميم- قال الحافظ في «التقريب» (٧٥٩١) : حافظ. إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث. أما شيخ ابن المنذر، فهو موسى بن هارون بن عبد الله الحمَّال، أبو عمران البزَّاز: ثقة، حافظ كبير، بغدادي. كما في «التقريب» (٧٠٢٢) . فالأثر ضعيف. وأشار إلى ذلك الطبري عند تفسير الآية، قال: «أي: عن أنفسهم بأيديهم، يمشون بها، وهم كارهون» ، ثم قال: «وذلك قول روي عن ابن عباس من وجهٍ فيه نَظَر» .