يستقبلها في جلوسه عليها، فتكون رجلاه كلاهما في شِقٍّ، والله أعلم.
وقد روي عن جماعة من أهل العلم (١) نحو ما رُوي عن عمر -رضي الله تعالى عنه-، في أخذهم بما يتميزون به عن المسلمين في الهيئات والأحوال (٢) .
(١) روي -أيضاً- عن عمر بن عبد العزيز. انظر: «الأوسط» (١١/١٧) ، «الأموال» لأبي عبيد (ص ٦٧) . (٢) ذكر ابن القيم في «إعلام الموقعين» : (٦/٩٧-٩٨ - بتحقيقي) (فيما يجب على المفتي عند الجواب) تحت (الفائدة الثامنة عشرة) من عدم إطلاق الجواب إذا كان في المسألة تفصيل، ومثّل على ذلك بما وقع في زمانهم. وذكر هذه المسألة، قال -رحمه الله تعالى-: «فلا إله إلا الله، كم هاهنا من مزلة أقدام، ومحل أوهام، وما دعا محقٌّ إلى حق إلا أخرجه الشيطان على لسان أخيه ووليه من الإنس في قالب تنفر عنه خفافيش البصائر وضعفاء العقول، وهم أكثر الناس، وما حذر أحد من باطل إلا أخرجه الشيطان على لسان وليه من الإنس في قالب مزيّف مزخرف يستخفُّ به عقولَ ذلك الضرب من الناس فيستجيبون له، وأكثر الناس نظرهم قاصر على الصور، لا يتجاوزها إلى الحقائق، فهم محبوسون في سجن الألفاظ، مقيّدون بقيود العبارات، كما قال -تعالى-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ. وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ} [الأنعام: ١١٢-١١٣] . وأذكر لك من هذا مثالاً وقع في زماننا، وهو أن السلطان أمر أن يلزم أهل الذمة بتغيير عمائمهم، وأن تكون خلاف ألوان عمائم المسلمين فقامت لذلك قيامتهم وَعَظُمَ عليهم، وكان في ذلك من المصالح وإعزاز الإسلام وإذلال الكفرة ما قرّت به عيون المسلمين، فألقى الشيطان على ألسنة أوليائه وإخوانه أن صوّروا فتيا يتوصلون بها إلى إزالة هذا الغيار، وهي: ما تقول السادة العلماء في قوم من أهل الذمة أُلزموا بلباس غير لباسهم المعتاد، وزي غير زيهم المألوف، فحصل لهم بذلك ضرر عظيم في الطرقات والفلوات، وتجرأ عليهم بسببه السفهاء والرعاع، وآذوهم غاية الأذى، فطمع بذلك في إهانتهم والتعدي عليهم؟ فهل يسوغ للإمام ردهم إلى زيهم الأول، وإعادتهم إلى ما كانوا عليه مع حصول التميز بعلامة يُعرفون بها؟ وهل في ذلك مخالفة للشرع أم لا؟ فأجابهم من مُنِع التوفيق، وصُدّ عن الطريق بجواز ذلك، وأن للإمام إعادتهم إلى ما كانوا عليه، قال شيخنا: فجاءتني الفتوى، فقلت: لا تجوز إعادتهم إلى ما كانوا عليه، ويجب إبقاؤهم على الزي الذي يتميزون به عن المسلمين، فذهبوا، ثم غيّروا الفتوى، ثم جاءوا بها في قالب آخر، فقلت: لا تجوز إعادتهم، فذهبوا، ثم أتوا بها في قالب آخر، فقلت: هي المسألة المَعْنِيَّة، إن خرجت في عدة قوالب، ثم ذهب إلى السلطان وتكلّم عنده بكلامٍ عجب منه الحاضرون، فأطبق القوم على إبقائهم ولله الحمد. =