قال:(وأبعد أولى من أقرب) هذا إذا استويا فيما سبق، فالأبعد أولى من الأقرب، يعني إذا كان لك مسجدان أحدهما أبعد من الثاني فالأفضل الأبعد، لماذا؟ لأن كل خطوة تخطوها إلى الصلاة يرفع لك بها درجة، ويحط عنك بها خطيئة، وكلما بعد المكان ازدادت الخطى فيزداد الأجر، هذا ما ذهب إليه المؤلف.
ولكن في النفس من هذا شيء، والصواب أن يقال: إن الأفضل أن تصلي فيما حولك من المساجد؛ لأن هذا سبب لعمارته، إلا أن يمتاز أحد المساجد بخاصية فيه فيقدم، مثل لو كنت في المدينة، أو كنت في مكة، فإن الأفضل أن تصلي في المسجد الحرام في مكة وفي المسجد النبوي في المدينة أفضل مما حولك، أما إذا لم يكن هناك ميزة والأرض كلها سواء فإن صلاة الإنسان في مسجده أفضل؛ لأنه يحصل به عمارته، ويحصل به التأليف، ويندرئ به ما قد يكون في قلب الإمام إذا لم تصل معه، لاسيما إذا كنت رجلًا لك قيمتك واعتبارك.
وأما الأبعد فإننا نجيب عنه بأن المراد بالحديث في قوله عليه الصلاة والسلام:«إِنَّهُ لَا يَخْطُو خُطْوَةً إِلَّا رَفَعَ اللهُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً»(٤)، هذا في المسجد الذي ليس هناك أقرب منه، فإنه كلما بعد المسجد وكلفت نفسك أن تذهب إليه مع بعده كان هذا بلا شك أفضل مما لو كان قريبًا؛ لأنه كلما شقت العبادة إذا لم يمكن فعلها بالأسهل فهي أفضل، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لعائشة:«إِنَّ أجْرَكِ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ»(٥).
فالحاصل: أن الأفضل أن تصلي في مسجدك مسجد الحي الذي أنت فيه، سواء كان أكثر جماعة أو أقل؛ لما يترتب على ذلك من المصالح، ثم يليه الأكثر جماعة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:«مَا كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللهِ»(٣)، ثم يليه الأبعد، ثم يليه العتيق؛ لأن تفضيل المكان بتقدم الطاعة فيه يحتاج إلى دليل بيّن، وليس هناك دليل بين على هذه المسألة.