يبقى النظر إذا قال قائل: إذا كان المسجد البعيد الذي ليس في حيي إذا كان إمامه أحسن قراءة، ويحصل لي من الخشوع ما لا يحصل لي لو صليت في مسجدي، فهل الأفضل أن أذهب إليه وأدع مسجدي، أو بالعكس؟
الظاهر لي حسب القاعدة: أن الفضل الذي يتعلق بذات العبادة أولى بالمراعاة من الفضل الذي يتعلق بمكانها، ومعلوم أنه إذا كان أخشع فإن الأفضل أن تذهب إليه، خصوصًا إذا كان إمام مسجدك لا يتأنى في الصلاة أو يلحن كثيرًا، أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي توجب أن يتحول الإنسان عن مسجده من أجله.
ثم قال المؤلف رحمه الله:(ويحرم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه أو عذره) إذا كان المسجد له إمام راتب، يعني مولى من قبل المسؤولين، أو مولى من قبل أهل الحي جيران المسجد، فإنه أحق الناس بإمامته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ»(٦)، ومعلوم أن إمام المسجد سلطانه، والنهي هنا للتحريم، فلا يجوز للإنسان أن يؤم في مسجد له إمام راتب إلا بإذن الإمام أو عذره، إذنه إذا وكله توكيلًا خاصًّا أو توكيلًا عامًّا، فالتوكيل الخاص أن يقول: يا فلان صل بالناس، والتوكيل العام أن يقول للجماعة: إذا تأخرت عن موعد الإقامة المعتاد كذا وكذا فصلوا، فإذا أذن سواء كان إذنًا خاصًّا أم عامًّا فإنه يجوز وإلا فلا.
ودليل ذلك؟
طالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ».
الشيخ: نعم «لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ»، والمعنى أيضًا يقتضي ذلك؛ لأنه لو جاز أن يؤم الإنسان في مسجد له إمام راتب بلا إذنه أو عذره؛ أدى ذلك إلى الفوضى وإلى النزاع، والإمام لا يحب أن أحدًا يتقدم في مكانه وهو الإمام الراتب.