«على أربع أواق؟ ! كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك؛ ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه»، قال: فبعث بعثاً إلى بني عبس بعث ذلك الرجل فيهم» (١).
الأوقية: أربعون درهماً.
وقوله:«كأنكم تنحتون الفضة من عرض الجبل» أي كأن الفضة متيسرة لكم وتنحتونها نحتاً من طرف الجبل.
يدل هذا الحديث على جواز أن يكون المهر كثيراً - من حيث الجواز -؛ مع كراهة المغالاة.
ولم نقل بالتحريم بل بالكراهة؛ لقول الله تبارك وتعالى {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً}[النساء: ٢٠] الشاهد قوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً} والقنطار؛ كمية كبيرة من الذهب، فدلَّ هذا على أن المهر لا قدر لأكثره ولا لأقله، وسواء كان بمال أو بمنفعة- سيأتي الدليل عليه- فجائز.
قال (ويصح ولو خاتماً من حديد أو تعليم قرآن) دليل ذلك حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - في الصحيحين: أن امرأة جاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي، فنظر إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فصعَّد النظر إليها وصوَّبَه، ثم طأطأ رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئاً جلست، فقام رجل من أصحابه، فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، فقال:«هل عندك من شيء؟ » فقال: لا والله يا رسول الله، قال:«اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا؟ » فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئاً، قال:«انظر ولو خاتماً من حديد» فذهب ثم رجع، فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتماً من حديد، ولكن هذا إزاري - قال سهل: ما له رداء - فلها نصفه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما تصنع بإزارك؟ ! إن لَبِسْتَهُ لم يكن عليها منه شيء، وإن لَبِسَتْهُ لم يكن عليك شيء» فجلس الرجل حتى طال مجلسه ثم قام فرآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مولِّياً، فأمر به فدعي، فلما جاء قال:«ماذا معك من القرآن؟ » قال: معي سورة كذا، وسورة كذا، وسورة كذا- عدَّها - قال:«أتقرؤهن عن ظهر قلبك؟ » قال: نعم، قال:«اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن»(٢).
(١) أخرجه مسلم (١٤٢٤). (٢) أخرجه البخاري (٥٠٣٠)، ومسلم (١٤٢٥) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.