فالهمزة أُمُّ هذا الباب، والغالبةُ عليه، وقد يشترك الحرفان، ويكون أحدُهما أقوى في ذلك المعنى، وأكثرَ تصرّفًا من الآخر، فلذلك قال في الهمزة:"والهمزة أعمّ تصرّفًا في بابها من أُختها"، وذلك إذا كانت يلزمها الاستفهامُ، وتقع مواقعَ لا تقع أُختُها فيها، ألا ترى أنّك تقول:"أزيدٌ عندك أم عمرٌو؟ " والمراد: أيُّهما عندك؟ فـ "أمْ" ها هنا مُعادِلةٌ لهمزة الاستفهام. ولا تُعادَل "أمْ " في هذا الموضع بغير الهمزة على ما سبق، ولا يُقال في هذا المعنى:"هل زيد عندك أم عمرٌو؟ " وتقول: "أزيدًا ضربتَ؟ " فتقدِّم المفعول، وتفصل به بين همزة الاستفهام والفعل، ولا يجوز ذلك في غيرها ممّا تستفهم به، فلا تقول:"هل زيدًا ضربت؟ " ولا "متى زيدًا ضربت؟ " وقد تقدّم ذكرُ ذلك.
وتُقرّر بالهمزة، فتقول:"أتَضرب زيدًا، وهو أخوك؟ " فهذا تقريرٌ على سبيل الإنكار. ولا يُستعمل غير الهمزة في هذا ومنه قولُه تعالى:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُم؟}(١)، وقوله:{أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}(٢). وكذلك إذا قيل لك:"رأيتُ زيدًا"، وأردتَ أن تستثبت ذلك؟ قلت:"أزيدَنِيهْ؟ " أو"أزيدًا؟ " وكذلك لو قال: "مررت بزيد"، قلت: مستثبتًا: "أزيدِنِيهْ؟ " أو "أبزيدٍ؟ " فتحكي الكلامَ. ولا يجوز مثلُ ذلك بـ "هَلْ" ونحوِها ممّا يُستفهم به.
ولقوّتها وغلبتِها وعموم تصرُّفها، جاز دخولُها على الواو والفاء و"ثمَّ" من حروف العطف، فالواوُ نحو قوله تعاَلى:{أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ}(٣) والفاءُ نحو قوله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا}(٤)، وقوله:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ}(٥)، وقوله:{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ}(٦). و"ثُم" نحو قوله: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ}(٧). ولا يتقدّم شيء من حروف الاستفهام وأسمائه غيرُ الهمزة على حروف العطف، بل حروفُ العطف تدخل عليهنّ، كقولك:"وهل زيد قائمٌ؟ " وقوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(٨). وقال الشاعر [من الخفيف]:
١١٦٧ - لَيتَ شِعْرِي هل ثُم هل آتِيَنْهُمْ ... أو يَحُولَنَّ دون ذاك حِمامِي
(١) الأعراف: ١٧٢. (٢) المائدة: ١١٦. (٣) البقرة: ١٠٠. (٤) الأعراف: ٩٧. (٥) البقرة: ٨٥. (٦) هود: ١٧، ومحمَّد: ١٤. (٧) يونس: ٥١. (٨) هود: ١٤. ١١٦٧ - التخريج: البيت بلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٤٤٣؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٥٧١. اللغة والمعنى: الحمام: الموت. يتمنى لو يصل إلى أحبائه، أو يمنعه الموت من هذا الوصول. الإعراب: "ليت": حرف مشبَّه بالفعل. "شعري": اسم "ليت" منصوب بفتحة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلّم، والياء: ضمير متصل مبني في محل جرّ مضاف إليه، وخبر "ليت" محذوف وجوبًا تقديره:=