للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إلى أن استلمها منه مالكها؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال : "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم: فليس له من الزرع شيء، وله نفقته" وهذا عام، فيشمل الغاصب؛ لأن "مَنْ" الشرطية من صيغ العموم، ويلزم من جملة: "وله نفقته": أن يردَّ مالك الأرض إلى الغاصب جميع النفقات التي أنفقها على ذلك الزرع ويأخذ مالكها الأرض والزرع -وهذا دليل الثاني من الأمرين المخيَّر بينهما- الثانية: المصلحة؛ حيث إنه أمكن بذلك ردُّ المغصوب إلى مالكه من غير إتلاف مال الغاصب، وذلك بدفع أجرة المثل، وهذا فيه جمع بين المصلحتين -وهذا دليل الأول من الأمرين المخيَّر بينهما- فإن قلتَ: إن الزرع لمالك الأرض، وهو يملك إجبار الغاصب على قلع ذلك الزرع؛ للقياس؛ بيانه: كما يملك مالك الأرض من إلزام الغاصب قلع غرسه -كما ورد في قوله : "ليس لعرق ظالم حق" ـ -كما سبق في مسألة (١٦) - فكذلك الزرع مثل الغرس والجامع: أن كلًّا منهما قد استعمل أرض غيره بغير حق. قلتُ: هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن مدَّة الغرس تطول، ولا يُعلم متى ينقلع من الأرض، وانتظاره يؤدّي إلى ترك الأرض بالكلية، وفواتها على مالكها، بخلاف الزرع فمدَّته قصيرة جدًا كما هو معلوم، فإتلافه يلحق الضرر بهما معًا، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياس مع السنة القولية" فنحن أعملنا الحديث الأول على أن المقصود به الزرع خاصة، للتصريح به، وإذا ورد في حكمه نص فلا يجوز قياسه على الغرس والشجر؛ إذ لا قياس مع النص، ويلزم منه: أن يخصص حديثهم بالغرس فقط، وهذا جمع بين الحديثين، أما هم فالظاهر: أنهم لم يُصححوا الحديث الوارد بالزرع -إذ لو صحَّ عندهم: لما جاز لهم أن يقيسوا الزرع على الغرس -وهو الشجر-؛ إذ لا قياس مع النص عندنا وعندهم كما سبق ذكره، ثم إنه لو لم يصح الحديث، فلا يصح قياس الزرع على الغرس؛ =

<<  <  ج: ص:  >  >>