ولما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة، كان على الكعبة ثلاثُ مئة وستون صنمًا، قد شدَّ لهم إبليسُ أقدامَها بالرصاص، فجاء ومعه قضيبٌ، فجعل يومي إلى كل صنم منها، فيخرُّ لوجهه، فيقول:{جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}[الإسراء: ٨١]، حتى مرَّ عليها كلها.
وقدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وَحْشِيُّ بنُ حربٍ قاتلُ حمزةَ - رضي الله عنه -، وهو يقول: أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَحْشِيُّ؟ "، فقال: نعم، قال:"أَخْبِرْني كيفَ قتلتَ عَمِّي"، فأخبره، فبكى، وقال:"غَيِّبْ وَجْهَكَ عَنِّي"(١).
ولما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة، كانت عليه عِمامةٌ سوداءُ، فوقف على باب الكعبة، وقال:"لا إلهَ إلا الله وحدَه، صدقَ وعدَه، ونصرَ عبدَه، وهزمَ الأحزابَ وحدَه"(٢).
ثم قال:"يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! مَا تَرَوْنَ أَنِّي فاعِلٌ بِكُمْ؟ "، قالوا: خيرًا، أخٌ كريم، وابن أخ كريم، قال:"اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ"، فأعتقهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان الله تعالى أمكَنَه منهم، وكانوا له فيئًا، فبذلك سمي أهل مكة: الطلقاء (٣).
(١) رواه البخاري (٣٦٨٤٤)، عن وحشي - رضي الله عنه -. (٢) رواه أبو داود (٤٥٤٧)، وابن ماجه (٢٦٢٨)، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -. (٣) رواه الطبري في "تاريخه" (٢/ ١٦١)، عن قتادة السدوسي.