أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَاوَرَ الْهُرْمُزَانَ، فَقَالَ: مَا تَرَى؟ أَنْ أَبْدَأَ بِفَارِسَ أَوْ بِأَذْرَبَيْجَانَ أَوْ بِأَصْبَهَانَ؟ قَالَ: إِنَّ فَارِسَ وَأَذْرَبَيْجَانَ الْجَنَاحَانِ، وَالرَّأْسَ أَصْبَهَانُ، فَإِن قَطَعْتَ أَحَدَ الْجَنَاحَيْنِ يَأْتِي الرَّأْسُ بِالْجَنَاحِ الآخَرِ، وَإِنْ قَطَعْتَ الرَّأْسَ وَقَعَ الْجَنَاحَانِ، فَابْدَأْ بِالرَّأْسِ أَصْبَهَانَ.
فَدَخَلَ عُمَرُ الْمَسْجِدَ وَالنُّعْمَانُ بْنُ مُقْرِنٍ يُصَلِّي، فَقَعَدَ إِلَى جَنْبِهِ، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ قَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْتَعْمِلَكَ، قَالَ: أَمَّا جَابِيًا فَلا، وَلَكِنْ غَازِيًا، قَالَ: وَأَنْتَ غَازٍ.
فَوَجَّهَهُ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَكَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنْ يُمِدُّوهُ. فَأَتَاهُمُ الْعَدُوُّ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُمُ النَّهْرُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ فَأَتَاهُمْ، فَقِيلَ لِمَلِكِهِمْ- وَكَانَ يُقَالُ لَهُ ذُو الْجَنَاحَيْنِ [١] : إِنَّ رَسُولَ الْعَرَبِ عَلَى الْبَابِ، فَشَاوَرَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: مَا تَرَوْنَ؟ أَقْعُدُ لَهُ فِي [بَهْجَةِ الْمُلْكِ] [٢] وَهَيْئَةِ الْمُلْكِ أَوْ [أَقْعُدُ لَهُ فِي] هَيْئَةِ الْحَرْبِ؟ فَقَالُوا اقْعُدْ لَهُ فِي هَيْئَةِ الْمُلْكِ، فَقَعَدَ عَلَى سَرِيرِهِ وَوَضَعَ التَّاجَ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَعَدَ أَبْنَاءُ الْمُلُوكِ نَحْوَ السِّمَاطَيْنِ، عَلَيْهِم الْقُرُطُ وَأَسْوِرَةُ الذَّهَبِ وَثِيَابُ الدِّيبَاجِ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ وَمَعَهُ رُمْحُهُ وَفَرُسُهُ، فَجَعَلَ يَطْعَنُ بِرُمْحِهِ [٣] فِي بُسُطِهِمْ لِيَتَطَيَّرُوا، وَقَدْ أَخَذَ بِضَبْعَيْهِ رَجُلانِ، فَقَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَتَكَلَّمَ مَلِكُهُمْ فَقَالَ:
إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ أَصَابَتْكُمْ مَجَاعَةٌ وَجُهْدٌ فَإِن شِئْتُمْ أَمَرْنَاكُمْ وَرَجَعْتُمْ، فَتَكَلَّمَ الْمُغِيرَةُ/ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّا مَعْشَرَ الْعَرَبِ [٤] كُنَّا نَأْكُلُ الْجِيَفَ وَالْمَيْتَةَ، وَيَطَئُونَا النَّاسُ وَلا نَطَؤُهُمْ، وَأَنَّ اللَّهَ ابْتَعَثَ مِنَّا نَبِيًّا صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ كَانَ أَوْسَطَنَا نَسَبًا، وَأَصْدَقَنَا حَدِيثًا- فَذكر النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ- وَأَنَّهُ وَعَدَنَا أَشْيَاءَ وَجَدْنَاهَا كَمَا قَالَ، وَأَنَّهُ وَعَدَنَا فِيمَا وَعَدَنَا أنّا سنظهر عليكم ونغلب على ما ها هنا، وَإِنِّي أَرَى عَلَيْكُمْ بَزَّةً وَهَيْئَةً، وَمَا أَرَى مَنْ خَلْفِي يَذْهَبُونَ حَتَّى يُصِيبُوهَا، قَالَ: ثُمَّ قَالَتْ لِي نَفْسِي: لَوْ جَمَعْتَ جَرَامِيزَكَ فَوَثَبْتُ وَثْبَةً فَقَعَدْتُ مَعَ الْعِلْجِ عَلَى سَرِيرِهِ حَتَّى يَتَطَيَّرَ. قَالَ: فَوَجَدْتُ غَفْلَةً، فَوَثَبْتُ، فَإِذَا أَنَا معه على سريره. قال: فأخذوه فجعلوا يتوجأونه ويطئونه بأرجلهم، قال: قلت: هكذا
[١] في أ: «ذو الجناح» .[٢] ما بين المعقوفتين: من أ، ط.[٣] في الأصل: «يطق برمحه» .[٤] في الأصل: «فإنا معشر الكتاب» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute