أما المشركون فقد فُجئوا بالخندق أمامهم، فوقفوا حيارى، لا يستطيعون اقتحامه.
ولكنهم حاولوا اقتحامه، فكانوا كلما حاولوا ذلك أمطرهم المسلمون بوابل من السهام فردوهم.
عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قالَ: لَمَّا كانَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ وَرَجُلٌ يَتَتَرَّسُ جَعَلَ يَقُولُ بِالتُّرْسِ هَكَذا، فَوَضَعَهُ فَوْقَ أَنْفِهِ، ثُمَّ يَقُولُ (١): هَكَذا يُسَفِّلُهُ بَعْدُ (٢)، قالَ: فَأَهْوَيْتُ إلى كِنانَتِي فَأَخْرَجْتُ مِنْها سَهْمًا مُدَمًّا (٣) فَوَضَعْتُهُ في كَبِدِ الْقَوْسِ، فَلَمّا قالَ هَكَذا يُسَفِّلُ التُّرْسَ، رَمَيْتُ، فَما نَسِيتُ وَقْعَ الْقِدْحِ (٤) عَلَى كَذا وَكَذا مِنْ التُّرْسِ، قالَ: وَسَقَطَ، فَقالَ: بِرِجْلِهِ، فَضَحِكَ نَبِيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ نَواجِذُهُ، لِفِعْلِ الرَّجُلِ (٥).
ولم تنقطع هجمات المشركين على الخندق في محاولات شرسة لاقتحامه، حتى إن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه لم يتمكنوا من أداء صلاة العصر في أحد الأيام حتى غربت الشمس، من شدة انشغالهم في صدِّ المشركين عن الخندق.
عَنْ جابِرِ بن عبد الله - رضي الله عنهما -، أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطّابِ - رضي الله عنه - جاءَ يَوْمَ الخَنْدَقِ بَعْدَ
(١) يقول: أي يشير. (٢) يسفله: أي ينزل به لأسفل ليحمي أسفله، فهو يرفعه تارة فوق أنفه ليحمي أعلاه، وتارة لأسفل ليحمي أسفله. (٣) السهم المدمى: الذي أصابه الدم فحصل في لونه سواد وحمرة مما رمى به العدو، ويطلق على ما تكرر به الرمي، والرماة يتبركون به. (نهاية). (٤) القدح -بكسر القاف وسكون الدال-: عود السهم. (٥) صحيح: أخرجه أحمد (١٦٢٠)، وصححه الشيخ أحمد شاكر.