قَالَ: وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، وَعَظُمَ الأَمْرُ، وعضَّت الْحَرْبُ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، فَأَقْبَلَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ إِلَى طُلَيْحَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ، وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَابِ خَيْمَتِهِ، وَفَرَسُهُ عِلالٌ إِلَى جَنْبِهِ، وَامْرَأَتُهُ نَوَّارُ جَالِسَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُيَيْنَةُ: (أَبَا عَامِرٍ، هَلْ أَتَاكَ جِبْرِيلُ بَعْدُ [١] ؟) قَالَ: (لا) ، فَرَجَعَ عُيَيْنَةُ إِلَى الْحَرْبِ فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ سَاعَةً ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: (هَلْ أَتَاكَ جِبْرِيلُ بَعْدُ؟) قَالَ: (لا) ، فَرَجَعَ فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ حَتَّى بَلَغَ مِنْهُ الْجَهْدُ، وَاشْتَدَّ بِهِ الأَمْرُ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى طُلَيْحَةَ فَقَالَ: (أَبَا عَامِرٍ، أَتَاكَ جِبْرِيلُ؟) فَقَالَ: (لا) ، قَالَ عُيَيْنَةُ: (فَحَتَّى مَتَى وَيْحَكَ، بَلَغَ مِنَّا الْجَهْدُ، وَاشْتَدَّ بِنَا الأَمْرُ، فَأَحْجَمَ النَّاسُ عَنِ الْحَرْبِ) .
ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ وَبَنُو عَمِّهِ مِنْ فَزَارَةَ، حَتَّى ضَجِرَ مِنَ الطِّعَانِ وَالضِّرَابِ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: (يَا أَبَا عَامِرٍ، هَلْ أَتَاكَ جِبْرِيلُ) ، قَالَ: (نَعَمْ، قَدْ أَتَانِي) ، قَالَ عُيَيْنَةُ: (اللَّهُ أَكْبَرُ، هَاتِ الآنَ مَا عِنْدَكَ، وَمَا الَّذِي قَالَ لَكَ جِبْرِيلُ) ، قَالَ: (نَعَمْ، قَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ: إِنَّ رِجَالا تَقُومُ لِرِجَالٍ، وَإِنَّ لَكَ وَلَهُ حَدِيثًا لا تَنْسَاهُ النَّاسُ أَبَدًا) .
ثُمَّ أَقْبَلَ عُيَيْنَةُ عَلَى بَنِي عَمِّهِ مِنْ فَزَارَةَ فَقَالَ لَهُمْ: (وَيْحَكُمْ يَا بَنِي عَمِّي، هَذَا وَاللَّهِ رَجُلٌ كَذَّابٌ، وَالآنَ صَحَّ عِنْدِي كِذْبُهُ لِتَخْلِيطِهِ فِي كَلامِهِ) ، ثُمَّ أَنْشَأَ عُيَيْنَةُ يَقُولُ:
(مِنَ الْخَفِيفِ)
١- خفَّ حِلْمِي [٢] أَطَاعَنِي أَصْحَابِي ... وَالْهَوَى فِي طُلَيْحَةَ الكذَّاب
٢- صرَّح الأَمْرُ بَعْدَ طُولِ شُرُورٍ ... عَنْ غُرُورٍ كَمُخَلَّفَاتِ السَّحاب
٣- ورمانا بفتنة كلظى النَّا ... ر رَجَعْنَا بِهَا عَلَى الأَعْقَابِ
٤- فَلَئِنْ كَانَ مَا يَقُولُ سَرَابًا ... وَهَبَاءً يَغِرُّ مِثْلَ السَّرَابِ
٥- مَا لَنَا الْيَوْمَ فِي طُلَيْحَةَ رَأْيٌ/ ... غَيْرَ شَدِّ النَّحى وترك القباب [٣] [١٥ أ]
[١] في الأصل: سطر مكرر ومشطوب.[٢] في الأصل: (علمي) .[٣] في الأصل: (النحا) ، ولعلها النحى جمع النحي: سهم عريض النصل، كني به عن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute