هَلَكَتِ الْمَاشِيَةُ وَالدَّوَابُّ وَالْهَوَامُّ وَالشَّجَرُ وَجَهِدَ النَّاسُ جُهْدًا شَدِيدًا، وَإِلْيَاسُ عَلَى حَالَتِهِ مُسْتَخِفٌّ مِنْ قَوْمِهِ يوضع له الرزق حيث ما كَانَ، وَقَدْ عَرَفَ ذَلِكَ قَوْمُهُ وَكَانُوا إِذَا وَجَدُوا رِيحَ الْخُبْزِ فِي بَيْتٍ قَالُوا: لَقَدْ دَخَلَ إلياس هذا المكان، فطلبوه ولقي منهم أَهْلِ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ شَرًّا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَصَابَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ثَلَاثَ سِنِينَ الْقَحْطُ، فَمَرَّ إِلْيَاسُ بِعَجُوزٍ فَقَالَ لَهَا: هَلْ عِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ شَيْءٌ مِنْ دَقِيقٍ وَزَيْتٍ قَلِيلٍ.
قَالَ: فَدَعَا ربه وَدَعَا فِيهِ بِالْبَرَكَةِ وَمَسَّهُ حَتَّى مَلَأَ جِرَابَهَا دَقِيقًا وَمَلَأَ خَوَابِيَهَا زَيْتًا، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ عِنْدَهَا قَالُوا: مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا؟ قَالَتْ: مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنْ حاله كذا وكذا، فوصفته [بصفته] [١] فَعَرِفُوهُ، فَقَالُوا ذَلِكَ إِلْيَاسُ، فَطَلَبُوهُ فَوَجَدُوهُ فَهَرَبَ مِنْهُمْ، ثُمَّ إِنَّهُ أَوَى إِلَى بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَهَا ابْنٌ يُقَالُ لَهُ الْيَسَعُ بْنُ أَخُطُوبَ بِهِ ضُرٌّ فَآوَتْهُ وَأَخْفَتْ أَمْرَهُ، فَدَعَا لولدها [٢] فَعُوفِيَ مِنَ الضُّرِّ الَّذِي كَانَ بِهِ، وَاتَّبَعَ الْيَسَعُ إِلْيَاسَ فَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَلَزِمَهُ.
وَكَانَ يَذْهَبُ حيث ما ذَهَبَ وَكَانَ إِلْيَاسُ قَدْ أَسَنَّ فكبر واليسع غلام شَابٌّ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى إِلْيَاسَ: إِنَّكَ قَدْ أَهْلَكْتَ كَثِيرًا مِنَ الْخَلْقِ مِمَّنْ لَمْ يَعْصِ مِنَ الْبَهَائِمِ وَالدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ وَالْهَوَامِّ بِحَبْسِ الْمَطَرِ، فَيَزْعُمُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ إِلْيَاسَ قَالَ: يَا رَبِّ دَعْنِي أَكُنْ أَنَا الَّذِي أَدْعُو لَهُمْ وَآتِيهِمْ بِالْفَرَجِ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ، لَعَلَّهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا وَيَنْزِعُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِكَ، فَقِيلَ لَهُ: نَعَمْ، فَجَاءَ إِلْيَاسُ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ: إِنَّكُمْ قَدْ هَلَكْتُمْ جُوعًا وَجُهْدًا وَهَلَكْتِ الْبَهَائِمُ وَالدَّوَابُّ وَالطَّيْرُ وَالْهَوَامُّ وَالشَّجَرُ بِخَطَايَاكُمْ، وَإِنَّكُمْ عَلَى بَاطِلٍ فَإِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ أَنْ تَعْلَمُوا ذَلِكَ فَاخْرُجُوا بِأَصْنَامِكُمْ فَإِنِ اسْتَجَابَتْ لَكُمْ فَذَلِكَ كَمَا تَقُولُونَ، وَإِنْ هِيَ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْتُمْ أَنَّكُمْ عَلَى باطل، فنزعتم [٣] ودعوت [لكم] اللَّهَ تَعَالَى فَفَرَّجَ عَنْكُمْ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ، قَالُوا: أَنْصَفَتْ فَخَرَجُوا بِأَوْثَانِهِمْ فَدَعَوْهَا، فَلَمْ تُفَرِّجْ عَنْهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ.
ثُمَّ قَالُوا لِإِلْيَاسَ: إِنَّا قَدْ هَلَكْنَا فَادْعُ اللَّهَ تَعَالَى لَنَا، فَدَعَا لَهُمْ إِلْيَاسُ وَمَعَهُ الْيَسَعُ بِالْفَرَجِ، فَخَرَجَتْ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ عَلَى ظَهْرِ الْبَحْرِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، فَأَقْبَلَتْ نَحْوَهُمْ وَطَبَّقَتِ الْآفَاقَ ثُمَّ أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمُ الْمَطَرَ فَأَغَاثَهُمْ، وَأُحْيِيَتْ بِلَادُهُمْ فَلَمَّا كَشَفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمُ الضُّرَّ نَقَضُوا الْعَهْدَ وَلَمْ يَنْزِعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ، وَأَقَامُوا عَلَى أَخْبَثِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ إِلْيَاسُ دَعَا رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُرِيحَهُ مِنْهُمْ، فَقِيلَ لَهُ فِيمَا يَزْعُمُونَ: انْظُرْ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا فَاخْرُجْ فِيهِ إِلَى موضع كذا وكذا فَمَا جَاءَكَ مِنْ شَيْءٍ فَارْكَبْهُ وَلَا تَهِبْهُ، فَخَرَجَ إِلْيَاسُ وَمَعَهُ الْيَسَعُ حَتَّى إِذَا كَانَا بِالْمَوْضِعِ الَّذِي أُمِرَ أَقْبَلَ فَرَسٌ مِنْ نَارٍ وَقِيلَ: لَوْنُهُ كَلَوْنِ النَّارِ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ إِلْيَاسُ فَانْطَلَقَ بِهِ الْفَرَسُ فَنَادَاهُ الْيَسَعُ: يَا إِلْيَاسُ مَا تَأْمُرُنِي فَقَذَفَ إِلَيْهِ إِلْيَاسُ بِكِسَائِهِ مِنَ الْجَوِّ الْأَعْلَى، فَكَانَ ذَلِكَ عَلَامَةَ اسْتِخْلَافِهِ إِيَّاهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ، فَرَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى إِلْيَاسَ مِنْ بَيْنِ أَظْهَرِهِمْ وَقَطَعَ عَنْهُ لذة المطعم والمشرب، فكساه الرِّيشَ فَكَانَ إِنْسِيًّا مَلَكِيًّا [٤] أَرْضِيًّا سَمَاوِيًّا، وَسَلَّطَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى آجَبَ الْمَلِكِ وَقَوْمِهِ عَدُوًّا لَهُمْ فَقَصَدَهُمْ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَشْعُرُوا بِهِ حَتَّى رَهِقَهُمْ، فَقَتَلَ آجَبَ وَامْرَأَتَهُ أَزْبِيلَ فِي بُسْتَانِ مَزْدِكِيَّ، فَلَمْ تَزَلْ جِيفَتَاهُمَا مُلْقَاتَيْنِ فِي تِلْكَ الْجُنَيْنَةِ حَتَّى بَلِيَتْ لُحُومُهُمَا وَرَمَّتْ عِظَامُهُمَا، وَنَبَّأَ اللَّهُ تَعَالَى الْيَسَعَ وَبَعْثَهُ رَسُولًا إِلَى بَنِي إسرائيل، وأوحى الله تعالى إلى
(١) زيادة عن المخطوط.(٢) في المطبوع «له» والمثبت عن المخطوط. [.....](٣) في المخطوط «فزعمتم» .(٤) في المخطوط «إنسا ملكا» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute