[المجلد الثالث]
تفسير سُورَةِ الرَّعْدِ
مَكِّيَّةٌ إِلَّا قَوْلَهُ: وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الرعد: ٣١] ، إلى [١] قوله: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا [الرعد: ٤٣] ، وهي ثلاث وأربعون آية
[[سورة الرعد (١٣) : الآيات ١ الى ٢]]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢)
المر قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ وَأَرَى، تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ، يَعْنِي: تِلْكَ الْأَخْبَارُ الَّتِي قَصَصْتُهَا عَلَيْكَ آيَاتُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ، يَعْنِي: وَهَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ، مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ، أَيْ: هُوَ الْحَقُّ فَاعْتَصِمْ بِهِ، فَيَكُونُ مَحَلُّ الَّذِي رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْحَقُّ خَبَرَهُ، وَقِيلَ: مَحَلُّهُ خَفْضٌ يَعْنِي تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَآيَاتُ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ، ثُمَّ ابْتَدَأَ: الْحَقَّ يَعْنِي ذَلِكَ الْحَقُّ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَادَ بِالْكِتَابِ الْقُرْآنَ، وَمَعْنَاهُ هَذِهِ آيَاتُ الْكِتَابِ يَعْنِي الْقُرْآنَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقُّ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ، قَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي مُشْرِكِي مَكَّةَ حِينَ قَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، فَرَدَّ قَوْلَهُمْ ثُمَّ بَيَّنَ دَلَائِلَ رُبُوبِيَّتِهِ، فَقَالَ عَزَّ مَنْ قَائِلٍ:
اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها، يَعْنِي: السَّوَارِيَ وَاحِدُهَا عَمُودٌ مِثْلُ أَدِيمٍ وَأُدُمٍ وَعُمُدٌ أَيْضًا جَمْعُهُ مِثْلُ رَسُولٍ وَرُسُلٍ، وَمَعْنَاهُ نَفْيُ الْعَمَدِ أَصْلًا وَهُوَ الْأَصَحُّ يَعْنِي لَيْسَ مِنْ دُونِهَا دِعَامَةٌ تُدَعِّمُهَا وَلَا فَوْقَهَا عَلَاقَةٌ تُمْسِكُهَا. قَالَ إِيَاسُ بن معاوية: السماء مقبية عَلَى الْأَرْضِ مِثْلُ الْقُبَّةِ. وَقِيلَ: تَرَوْنَهَا رَاجِعَةٌ إِلَى الْعُمُدِ، مَعْنَاهُ: لَهَا عُمُدٌ وَلَكِنْ لَا تَرَوْنَهَا، وَزُعِمَ: أَنَّ عُمُدَهَا جَبَلٌ قَافٍ وَهُوَ مُحِيطٌ بِالدُّنْيَا وَالسَّمَاءُ عَلَيْهِ مِثْلُ الْقُبَّةِ [٢] . ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ، عَلَا عَلَيْهِ، وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، ذَلَّلَهُمَا لِمَنَافِعِ خَلْقِهِ فَهُمَا مَقْهُورَانِ، كُلٌّ يَجْرِي، أَيْ: يَجْرِيَانِ عَلَى مَا يُرِيدُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَجَلٍ مُسَمًّى، أَيْ: إِلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ وَهُوَ فَنَاءُ الدُّنْيَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَادَ بِالْأَجَلِ الْمُسَمَّى دَرَجَاتَهُمَا وَمَنَازِلَهُمَا يَنْتَهِيَانِ إِلَيْهَا ولا يجاوزانها،
(١) في المطبوع وط «و» بدل «إلى» . [.....](٢) هذا من الإسرائيليات.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute