عَنْ سَبَأٍ كَانَ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَرْضًا؟ قَالَ: «كَانَ رجلا من العرب و [ولد] [١] له عَشَرَةٌ مِنَ الْوَلَدِ تَيَامَنَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ وَتَشَاءَمَ أَرْبَعَةٌ فَأَمَّا الَّذِينَ تيامنوا فكندة والأشعريون، والأرض وَمُذْحِجٌ وَأَنْمَارٌ وَحِمْيَرٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: وما أنمار؟ [فقال الذين منهم خثعم وَأَمَّا] [٢] الَّذِينَ تَشَاءَمُوا فَعَامِلَةُ وَجُذَامُ وَلَخْمٌ وَغَسَّانُ، وَسَبَأٌ هُوَ ابْنُ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبِ بْنِ قَحْطَانَ» . فِي مَسْكَنِهِمْ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَحَفْصٌ «مَسْكَنِهِمْ» بِفَتْحِ الْكَافِ عَلَى الْوَاحِدِ وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ بِكَسْرِ الْكَافِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ «مَسَاكِنِهِمْ» عَلَى الْجَمْعِ وَكَانَتْ مَسَاكِنُهُمْ بِمَأْرِبَ مِنَ الْيَمَنِ، آيَةٌ، دَلَالَةٌ عَلَى وَحْدَانِيَّتِنَا وَقُدْرَتِنَا، ثُمَّ فَسَّرَ الْآيَةَ فَقَالَ: جَنَّتانِ، أَيْ هِيَ جَنَّتَانِ بُسْتَانَانِ، عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ، أَيْ عَنْ يَمِينِ الْوَادِي وَشِمَالِهِ. وَقِيلَ عَنْ يَمِينِ مَنْ أتاهما وشماله، وكان لهم واد قد أَحَاطَتِ الْجَنَّتَانِ بِذَلِكَ الْوَادِي كُلُوا، أي فيل لَهُمْ كُلُوا، مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ، يَعْنِي مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّتَيْنِ، قَالَ السُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ:
كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَحْمِلُ مِكْتَلَهَا عَلَى رَأْسِهَا وَتَمُرُّ بِالْجَنَّتَيْنِ فَيَمْتَلِىءُ مِكْتَلُهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْفَوَاكِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمَسَّ شَيْئًا بِيَدِهَا، وَاشْكُرُوا لَهُ، أَيْ عَلَى مَا رَزَقَكُمْ مِنَ النِّعْمَةِ وَالْمَعْنَى اعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ، بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ، أَيْ أَرْضُ سَبَأٍ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ لَيْسَتْ بِسَبْخَةٍ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ لَمْ يَكُنْ يُرَى فِي بَلْدَتِهِمْ بَعُوضَةٌ وَلَا ذُبَابٌ وَلَا بُرْغُوثٌ وَلَا عَقْرَبٌ وَلَا حَيَّةٌ، وَكَانَ الرَّجُلُ يمرّ ببلدتهم وَفِي ثِيَابِهِ الْقَمْلُ فَيَمُوتُ الْقَمْلُ كُلُّهُ مِنْ طِيبِ الْهَوَاءِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ، أَيْ طَيِّبَةُ الْهَوَاءِ، وَرَبٌّ غَفُورٌ، قَالَ مُقَاتِلٌ: وَرَبُّكُمْ إِنْ شَكَرْتُمُوهُ فِيمَا رَزَقَكُمْ رَبٌّ غَفُورٌ لِلذُّنُوبِ.
فَأَعْرَضُوا. قال وهب: أرسل اللَّهُ إِلَى سَبَأٍ ثَلَاثَةَ عَشَرَ نَبِيًّا فَدَعَوْهُمْ إِلَى اللَّهِ وَذَكَّرُوهُمْ نِعَمَهُ عَلَيْهِمْ وَأَنْذَرُوهُمْ عِقَابَهُ فَكَذَّبُوهُمْ، وَقَالُوا: مَا نَعْرِفُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا نِعْمَةً فَقُولُوا لِرَبِّكُمْ فَلْيَحْبِسْ هَذِهِ النِّعَمَ عَنَّا إِنِ اسْتَطَاعَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ، والعرم جَمْعُ عُرْمَةٍ وَهِيَ السِّكْرُ الَّذِي يُحْبَسُ بِهِ الْمَاءُ، وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْعَرِمُ السَّيْلُ الَّذِي لَا يُطَاقُ.
وَقِيلَ: كَانَ مَاءً أَحْمَرَ أَرْسَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ شَاءَ.
وَقِيلَ الْعَرِمُ: الْوَادِي وَأَصْلُهُ مِنَ الْعِرَامَةِ وَهِيَ الشِّدَّةُ وَالْقُوَّةُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَوَهْبٌ وَغَيْرُهُمَا: كَانَ ذَلِكَ السَّدُّ بَنَتْهُ بِلْقِيسُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى مَاءِ وَادِيهِمْ فَأَمَرَتْ بِوَادِيهِمْ فَسُدَّ بِالْعَرِمِ وَهُوَ الْمُسَنَّاةُ بِلُغَةِ حِمْيَرَ، فَسَدَّتْ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ بِالصَّخْرِ وَالْقَارِ وَجَعَلَتْ لَهُ أَبْوَابًا ثَلَاثَةً بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَبَنَتْ مِنْ دُونِهِ بِرْكَةً ضَخْمَةً وَجَعَلَتْ فِيهَا اثْنَيْ عَشَرَ مَخْرَجًا عَلَى عِدَّةِ أَنْهَارِهِمْ يَفْتَحُونَهَا إِذَا احْتَاجُوا إِلَى الْمَاءِ، وَإِذَا اسْتَغْنَوْا سَدُّوهَا، فَإِذَا جَاءَ الْمَطَرُ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ مَاءُ أَوْدِيَةِ الْيَمَنِ، فَاحْتَبَسَ السَّيْلُ مِنْ وَرَاءِ السَّدِّ فَأَمَرَتْ بِالْبَابِ الْأَعْلَى فَفُتِحَ فَجَرَى مَاؤُهُ فِي الْبِرْكَةِ، فَكَانُوا يَسْقُونَ مِنَ الْبَابِ الْأَعْلَى ثُمَّ من الثاني ثم من الباب [٣] الأسفل فلا ينفد الْمَاءُ حَتَّى يَثُوبَ الْمَاءُ مِنَ السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ فَكَانَتْ تُقَسِّمُهُ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَبَقُوا عَلَى ذَلِكَ بَعْدَهَا مُدَّةً فَلَمَّا طَغَوْا وَكَفَرُوا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ جُرَذًا يُسَمَّى الْخُلْدَ فَنَقَبَ السَّدَّ مِنْ أَسْفَلِهِ فَغَرَّقَ الْمَاءُ جَنَّاتِهِمْ وَخَرَّبَ أَرْضَهُمْ.
قَالَ وَهْبٌ: وَكَانَ مِمَّا يَزْعُمُونَ وَيَجِدُونَ فِي عِلْمِهِمْ وَكَهَانَتِهِمْ: أَنَّهُ يُخَرِّبُ سَدَّهُمْ فَأْرَةٌ فَلَمْ يَتْرُكُوا فُرْجَةً بَيْنَ حَجَرَيْنِ إِلَّا رَبَطُوا عِنْدَهَا هِرَّةً فَلَمَّا جَاءَ زَمَانُهُ وَمَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِمْ مِنَ التَّغْرِيقِ أَقْبَلَتْ فِيمَا يَذْكُرُونَ فَأْرَةٌ حَمْرَاءُ كَبِيرَةٌ إِلَى هِرَّةٍ مِنْ تِلْكَ الْهِرَرِ فَسَاوَرَتْهَا حتى استأخرت منها الهرة فدخلت في الفرجة
(١) زيادة عن المخطوط.(٢) العبارة في المطبوع «فقال» .(٣) في المطبوع «الثالث» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute