[المطلب الأول: الحث على إحصاء أسماء الله والمقصود بذلك]
...
واعترض الحافظ ابن حجر على هذا الوجه فقال:"وفيه نظر؛ لأنه لا يلزم من مجيئه بلفظ "حفظها" تعيين السَّرد عن ظهر قلب، بل يُحتمل الحفظ المعنويُّ".
وقال الأصيليُّ:"ليس المراد بالإحصاء عدَّها فقط؛ لأنه قد يعدُّها الفاجر، وإنما المراد العلم بها".
وقال ابن بطال:"إن من حفظها عدا وأحصاها سردا ولم يعمل بها يكون كمن حفظ القرآن ولم يعمل بما فيه، وقد ثبت الخبر في الخوارج أنهم يقرءون القرآن ولا يجاوز حناجرهم"١.
المعنى الثاني: الطاقة، كما في قوله تعالى:{عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} ٢، أي: لن تطيقوه.
وكقول النبي صلى الله عليه وسلم:"استقيموا ولن تحصوا" ٣؛ أي: لن تطيقوا كل الاستقامة.
فيكون معنى:"أحصاها" في الحديث: أي يطيقها، بحسن المراعاة لها، والمحافظة على حدودها في معاملة الرب سبحانه بها، وذلك مثل أن يقول: يا رحمن يا رحيم؛ فيخطر بقلبه الرحمة، ويعتقدها صفة لله عز وجل فيرجو رحمته ولا ييأس من مغفرته، كقوله تعالى:{لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ٤.
وإذا قال:"السميع البصير" علم أنه لا يخفى على الله خافية، وأنه بمرأى
١ فتح الباري ١١/٢٢٦ ٢ الآية ٢٠ من سورة المزمل. ٣ أخرجه الإمام أحمد في المسند ٥/ ٢٨٢، وابن ماجة ح ٢٧٧، والدَّارمي ١/ ١٦٨ ٤ الآية ٥٣ من سورة الزُّمر.