وتسعين وستمائة إلى أن مات نحوا من ثمان وأربعين سنة، بما فيها من أيام خلعه، ولم يقع ذلك لأحد من ملوك الترك بالديار المصريّة، فهو أطول الملوك زمانا وأعظمهم مهابة وأغزرهم عقلا وأحسنهم سياسة وأكثرهم دهاء وأجودهم تدبيرا وأقواهم بطشا وشجاعة وأحذقهم تنفيذا؛ مرّت به التجارب، وقاسى الخطوب، وباشر الحروب، وتقلّب مع الدهر ألوانا؛ نشأ فى الملك والسعادة، وله فى ذلك الفخر والسّيادة خليقا للملك والسلطنة، فهو سلطان وابن سلطان وأخو سلطان ووالد ثمانى سلاطين من صلبه، والملك فى ذرّيته وأحفاده وعقبه ومماليكه ومماليك مماليكه إلى يومنا هذا، بل إلى أن تنقرض الدولة التركيّة، فهو أجلّ ملوك الترك وأعظمها بلا مدافعة، ومن ولى السلطنة من بعده بالنسبة إليه كآحاد أعيان أمرائه.
وكان متجمّلا يقتنى من كلّ شىء أحسنه. أكثر فى سلطنته من شراء المماليك والجوارى، وطلب التجّار وبذل لهم الأموال، ووصف لهم حلى المماليك والجوارى.
وسيّرهم إلى بلاد أزبك خان وبلاد الجاركس «١» والروم، وكان التاجر إذا أتاه بالجلبة من المماليك بذل له أغلى القيم فيهم، فكان يأخذهم «٢» ويحسن تربيتهم وينعم عليهم بالملابس، الفاخرة والحوائص الذهب والخيول والعطايا حتى يدهشهم، فأكثر التجار من جلب المماليك، وشاع فى الأقطار إحسان السلطان إليهم. فأعطى المغل أولادهم وأقاربهم للتجّار رغبة فى السعادة، فبلغ ثمن المملوك على التاجر أربعين ألف درهم، وهذا المبلغ جملة كثيرة بحساب يومنا هذا. وكان الملك الناصر يدفع للتاجر فى المملوك الواحد مائة ألف درهم وما دونها.