الملك الناصر ميّتا فى محفّة من القلعة بعد أن رسم بغلق الأسواق، ونزلوا به من وراء السور إلى باب النصر، ومعه من أكابر الأمراء بشتك وملكتمر الحجازىّ وأيدغمش أمير آخور، ودخلوا به من باب النصر إلى المدرسة «١» المنصوريّة ببين القصرين، فغسّل وحنّط وكفّن من البيمارستان «٢» المنصورىّ، وقد اجتمع الفقهاء والقرّاء والأعيان ودام القرّاء على قبره أيّاما.
وأمّا مدّة سلطنته على مصر فقد تقدّم أنّه تسلطن ثلاث مرار، فأوّل سلطنته كانت بعد قتل أخيه الأشرف خليل بن قلاوون فى سنة ثلاث وتسعين وستمائة فى المحرّم، وعمره تسع سنين وخلع بالملك العادل كتبغا المنصورىّ فى المحرّم سنة أربع وتسعين، فكانت سلطنته هذه المرّة دون السنة، ثم توجّه إلى الكرك إلى أن أعيد إلى السلطنة بعد قتل المنصور حسام الدّين لاچين فى سنة ثمان «٣» وتسعين وستمائة، فأقام فى الملك، والأمر إلى سلّار وبيبرس الجاشنكير إلى سنة ثمان وسبعمائة، وخلع نفسه وتوجّه إلى الكرك وتسلطن بيبرس الجاشنكير، وكانت مدته فى هذه المرّة الثانية نحو التسع سنين، ثم خلع بيبرس وعاد الملك الناصر إلى السلطنة ثالث مرّة فى شوّال سنة تسع وسبعمائة، واستبدّ من يوم ذاك بالأمر من غير معارض إلى أن مات فى التاريخ المذكور. وقد ذكرنا ذلك كلّه فى أصل ترجمته من هذا الكتاب مفصّلا.
فكانت مدّة تحكّمه فى هذه المرّة الثالثة اثنتين وثلاثين سنة وشهرين وخمسة «٤» وعشرين يوما، وهو أطول ملوك الترك مدّة فى السلطنة، فإنّ أوّل سلطنته من سنة ثلاث