٢ أن عقيدة ألوهية الروح القدس لم تكن معروفة في عصر المسيح عليه السلام ولا في عصر حوارييه، ولا في القرون الثلاثة بعد رفع المسيح، بدليل أنهم في قانون إيمانهم المقدس سنة ٣٢٥م قالوا:((ونؤمن بالروح القدس)) ، دون أن يذكروا اعتقادهم ألوهيته، وبعد أكثر من نصف قرن حينما اجتمعوا في القسطنطينية سنة ٣٨١م، صدر عنهم قانون آخر أضافوا فيه اعتقادهم ألوهية الروح القدس، فقالوا:((ونؤمن بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب، الذي هو مع الآب والابن مسجود له وممجد، الناطق في الأنبياء)) أي أن اعتقادهم ألوهية الروح القدس جاء بعد أكثر من ثلاثة قرون من رفع المسيح، إضافة إلى أن قولهم هذا متناقض وباطل عقلاً ونقلاً، يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: ((قلتم في أقنوم روح القدس الذي جعلتموه الرب المحيي أنه منبثق من الآب مسجود ممجد، ناطق في الأنبياء، فإن كان المنبثق رباً حياً، فهذا إثبات إله ثالث، وقد جعلتم الذات الحية منبثقة من الذات المجردة، وفي كل منهما من الكفر والتناقض ما لا يخفى، ثم جعلتم هذا الثالث مسجود له، والمسجود له هو الإله المعبود، وهذا تصريح بالسجود لإله ثالث مع ما فيه من التناقض، ثم جعلتموه ناطقاً بالأنبياء، وهذا تصريح بحلول هذا الأقنوم الثالث بجميع الأنبياء، فيلزمكم أن تجعلوا كل نبي مركبًا من لاهوت وناسوت، وأنه إله تام وإنسان تام، كما قلتم في المسيح، إذ لا فرق بين حلول الكلمة، وحلول روح القدس، كلاهما أقنوم، وأيضاً فيمتنع حلول إحدى الصفتين دون الأخرى، وحلول الصفة دون الذات، فيلزم الإله الحي الناطق بأقانيمه الثلاثة حالاً في كل نبي، ويكون كل نبي هو رب العالمين، ويقال مع ذلك هو ابنه، وفي هذا من الكفر الكبير والتناقض العظيم ما لا يخفى، وهذا لازم للنصارى لزوماً لا محيد عنه، فإن ما ثبت لنظيره، ولا يجوز التفريق بين المتماثلين، وليس لهم أن يقولوا: