كما يتأول النصارى اعتقاد ألوهية الروح القدس من أقوال من يسمونه بولس الرسول، الذي نسب إلى الروح القدس مايمكن أن ينسب إلى ذات الله وصفاته وأعماله وعبادته، كما ذكر ذلك قاموس الكتاب المقدس، مستدلاً بأقوال بولس الرسول التي وردت في هذا المقام (١٥٦) ، إذ يقول:((أما تعلمون أن هيكل الله وروح الله يسكن فيكم)) (١٥٧) ، وقوله:((إن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكناً فيكم فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيي أجسادكم المائته أيضاً بروحه الساكن فيكم)) (١٥٨) ، وغير ذلك من النصوص التي يستشهدون فيها على أن الروح القدس هو الأقنوم الثالث من لاهوتهم المقدس، وأنه على زعمهم مساوٍ للأب والابن في الذات والجوهر، وغير ذلك من الصفات التي يزعمون أنها أدلة على إثبات ألوهيته واستحقاقه للعبادة الإلهية (١٥٩) ، تعالى الله عن قولهم.
لكن اعتقادهم ألوهية الروح القدس باطل ومردود، ودليل ذلك مايأتي:
١ أن نصوص العهد القديم والعهد الجديد التي ورد فيها ذكر الروح مضافاً إلى الله وإلى القدس وبدون إضافة، جاءت بمعنى الوحي بالإلهام، وبمعنى الثبات والنصرة التي يؤيد الله بها من يشاء من عباده المؤمنين، وبمعنى ملاك الله جبريل عليه السلام وبمعنى المسيح عليه السلام كما سبق ذكر الشواهد على ذلك عند الحديث عن حقيقة الروح في المبحث الأول.
كذلك فإن حقيقة الروح حسب تعبير النصارى أنه:((الناطق في الأنبياء، الناطق في الناموس والمعلم بالأنبياء، الذي نزل إلى الأردن ونطق بالرسل، وأنه الروح القدس روح الله)) فكل هذه المعاني تدل على أن حقيقة الروح القدس لاتدل على مرادهم باعتقاد ألوهيته، إذ لو كان إلهًا، لكان كذلك منذ أن خلق الله تعالى الخلق حتى قيام الساعة، لكن ذلك لم يكن.