للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول القس بوطر: ((بعدما خلق الله العالم، وتوج خليقته بالإنسان، لبث حيناً من الدهر لا يعلن له سوى ما يختص بوحدانيته، كما يتبين ذلك من التوراة، على أنه لا يزال المدقق يرى بين سطورها إشارات وراء الوحدانية، لأنك إذا قرأت فيها بإمعان تجد هذه العبارات: ((كلمة الله أو حكمة الله، أو روح القدس)) ولم يعلم من نزلت إليهم التوراة ما تكنه هذه الكلمات من المعاني، لأنه لم يكن قد أتى الوقت المعين الذي قصد الله فيه إيضاحها على وجه الكمال والتفصيل، ومع ذلك فمن يقرأ التوراة في ضوء الإنجيل يقف على المعنى المراد، إذ يجدها تشير إلى أقانيم في اللاهوت، ثم لما جاء المسيح إلى العالم أرانا بتعاليمه وأعماله المدونة في الإنجيل أن له نسبة سرية أزلية إلى الله، تفوق الإدراك، ونراه مسمى في أسفار اليهود: ((كلمة الله)) وهي ذات العبارة المعلنة في التوراة، ثم لما صعد إلى السماء أرسل روحاً، ليسكن بين المؤمنين، وقد تبين أن لهذا الروح أيضاً نسبة أزلية إلى الله فائقة، كما للابن، ويسمى الروح القدس، وهو ذات العبارة المعلنة في التوراة كما ذكرنا، ومما تقدم نعلم بجلاء أن المسمى بكلمة الله، والمسمى بروح الله في نصوص التوراة هما المسيح والروح القدس المذكوران في الإنجيل، فما لمحت إليه التوراة صرح به الإنجيل كل التصريح، وإن وحدة الجوهر لا يناقضها تعدد الأقانيم، وكل من أنار الله ذهنه وفتح قلبه لفهم الكتاب المقدس لا يقدر أن يفسر الكلمة بمجرد أمر من الله أو قول مفرد، ولا يفسر الروح بالقوة التأثيرية، بل لابد له أن يعلم أن في اللاهوت ثلاثة أقانيم متساوين في الكلمات الإلهية، وممتازين في الاسم والعمل، والكلمة والروح القدس إثنان منهم، ويدعى الأقنوم الأول الآب، ويظهر من هذه التسمية أنه مصدر كل الأشياء ومرجعها، وأن نسبته للكلمة ليست صورية بل شخصية حقيقية، ويمثل للأفهام محبته الفائقة، وحكمته

<<  <  ج: ص:  >  >>