للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأولى التي أمرهم الرب أن يتذكروها ويستدلوا بها على قدرته على الثانية١. قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَاْ تُمْنُوْنَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُوْنَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَاْلِقُوْن نَحْنُ قَدَّرْنَاْ بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَاْ نَحْنُ بِمَسْبُوْقِيْنَ عَلَىْ أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَاْلَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِيْمَاْ لا تَعْلَمُوْنَ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُوْلَىْ فَلَوْلا تَذْكُرُوْنَ} ٢.

والفلاسفة أجود تصوّراً في هذا الموضع؛ حيث قالوا: تفسد الصورة الأولى وهي جوهر، وتحدث صورة أخرى. فإنّ هذا أجود من أن يُقال: يزول عرض ويحدث عرض.

ولكنّ الفلاسفة غلطوا في توهمهم أنّ هناك مادة باقية بعينها، وإنما تفسد صورتها.

التحقيق في مسألة المادة

والحقّ أنّ المادّة التي منها يُخلق الثاني تفسد، وتستحيل، وتتلاشى، ويُنشئ الله الثانيَ ويبتديه، ويخلق٣ من غير أن يبقى من الأول شيء؛ لا مادة، ولا صورة، ولا جوهر، ولا عرض. فإذا خلق الله الإنسان من المني، فالمني استحال وصار علقةً، والعلقة استحالت وصارت مضغةً، والمضغة استحالت إلى عظام وغير عظام. والإنسان بعد أن خُلق، خُلق كلّه؛ جواهره وأعراضه، وابتدأه الله ابتداءً؛ كما قال تعالى: {الَّذِيْ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَاْنِ مِنْ طِيْنٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاْءٍ مَهِيْنٍ} ٤، وقال تعالى: {أَوَلا يَذْكُرُ الإِنْسَاْنُ أَنَّاْ خَلَقْنَاْهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئَاً} ٥.


١ أي النشأة الثانية.
٢ سورة الواقعة، الآيات ٥٨-٦٢.
٣ في ((خ)) : يخلقه. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .
٤ سورة السجدة، الآيتان ٧-٨.
٥ سورة مريم، الآية ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>