للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالإنسان مخلوق، خلق الله جواهره وأعراضه كلّها من المني؛ من مادّة استحالت، ليست باقية بعد خلقه؛ كما تقول المتفلسفة أنّ هناك مادّة باقية١.

ولفظ المادّة مشترك:

فالجمهور يُريدون به ما منه خُلق، وهو أصله وعنصره.

وهؤلاء يُريدون بالمادّة جوهر باق، وهو محلّ للصورة الجوهرية. فلم يُخلق عندهم الإنسان من مادّة، بل المادّة باقية، وأحدث٢ صورته فيها؛ كما أنّ الصور الصناعيّة؛ كصورة الخاتم، والسرير، والثياب، والبيوت، وغير ذلك إنّما أحدث الصانع صورته العرضيّة في مادّة لم تزل موجودة ولم تفسد، ولكن حُوِّلَت من صفة إلى صفة. فهكذا تقول الجهميّة المتكلّمة المبتدعة أنّ الله أحدث صورة عرضيّة في مادّة باقية لم تفسد؛ فيجعلون خلق الإنسان بمنزلة عمل الخاتم، والسرير، والثوب.

والمتفلسفة تقول أيضاً: إنّ مادّته باقية لم تفسد؛ كمادّة الصورة الصناعيّة، لكن يقولون: إنّه أحدث صورة جوهريّة. وهم قد يخلطون ولا يفرقون بين الصور العرضيّة والجوهريّة؛ فإنّهم يُسمّون صورة الإنسان صورةً في مادّة، وصورة الخاتم صورةً في مادّة؛ فيكون خلق الإنسان عند هؤلاء وهؤلاء من جنس ما يُحدِثه الناس في الصور من الموادّ، ويكون خلقه بمنزلة تركيب الحائط من اللَّبِن. ولهذا قال من قال منهم: إنّه يستغني عن الخالق بعد الخلق، كما يستغني الحائط عن البَنَّاء.


١ انظر: درء تعارض العقل والنقل ١٣٠٨،، ٥١٩٥-٢٠٣. ومنهاج السنة النبوية ٢١٤٠.
٢ في ((خ)) : وأحدثت. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>