وقد اختلف أهل العربية في معنى قوله {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}(١) فقال بعضهم معناه: نحن أملك به وأقرب إليه في المقدرة عليه، وقال آخرون: بل معنى ذلك: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} بالعلم بما توسوس به نفسه" اهـ (٢).
وقال القرطبي رحمه الله: "أي نحن أقرب إليه من حبل وريده الذي هو منه، وليس على وجه قرب المسافة، وقيل أي ونحن أملك به من حبل وريده مع استيلائه عليه، وقيل: أي ونحن أعلم بما توسوس نفسه من حبل وريده الذي هو من نفسه، لأنه عرق يخالط القلب فعلم الرب أقرب إليه من علم القلب، روي معناه عن مقاتل: الوريد عرق يخالط القلب، وهذا القرب قرب العلم والقدرة، وأبعاض الإنسان يحجب البعض البعض ولا يحجب علم الله شيء" اهـ (٣).
وأما في قوله تعالى في سورة الحديد:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}(٤) فبعد أن ذكر استواءه على العرش بدأ بذكر العلم واختتم بذكر البصر، إذًا معنى القرب فيها قرب العلم والبصر، يقول ابن جرير الطبري رحمه الله في قوله تعالى {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}: "وهو شاهد لكم أيها الناس أينما كنتم يعلمكم ويعلم أعمالكم، ومتقلبكم ومثواكم وهو على عرشه فوق سماواته السبع" اهـ (٥).
وأما الحديث القدسي فقال في شرحه ابن حجر رحمه الله: "قد استشكل كيف يكون الباري جل وعلا سمع العبد وبصره الخ؟ والجواب من أوجه:
أحدها أنه ورد على سبيل التمثيل، والمعنى كنت سمعه وبصره في إيثاره أمري، فهو يحب طاعتي ويؤثر خدمتي كما يحب هذه الجوارح.
(١) سورة ق: ١٧. (٢) جامع البيان للطبري: ١٣/ ١٥٧. (٣) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ١٧/ ٩. (٤) سورة الحديد: ٤. (٥) جامع البيان للطبري: ١٣/ ٢١٦.