المحال الممتنع وإن جهله فالجاهل بما لا يجوز على الله ويمتنع لا يكون نبيًّا كليمًا، وقد وصفه الله تعالى بذلك {قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}(١). فسؤال موسى عليه السلام الرؤية دل على عدم امتناعها، لكونه رسولًا مصطفى مختارًا إذ يمتنع عليه الجهل بمن أرسله واصطفاه (٢).
الوجه الثاني:
أن الله تعالى لم ينهه ولا أيأسه لما طلب الرؤية، ولو كانت محالة لأنكر عليه، فقد أنكر على نوح عليه السلام لما سأله نجاة ابنه حيث قال {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٤٦) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (٣) ولم ينكر على الخليل عليه السلام حين قال: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}(٤) ولم ينكر أيضًا على عيسى عليه السلام حين قال: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}(٥). ففي إنكاره جل وعلا على نوح عليه السلام دليل على
(١) سورة الأعراف: آية (١٤٤). (٢) انظر شرح المواقف للجرجاني ص (١٨٨، ١٨٩)، شرح المقاصد للتفتازاني (٢: ٨٢). (٣) سورة هود: الآيتان (٤٦، ٤٧). (٤) سورة البقرة: آية (٢٦٠). (٥) سورة المائدة: آية (١١٤).