لِلَّذَّاتِ، وَمَآلًا لِلشَّهَوَاتِ، انْتِظَامًا فِي سِلْكِ الْبَهَائِمِ؛ فَظَاهِرٌ أَنَّهَا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ قِشْرٌ بِلَا لُبٍّ، وَلَعِبٌ بِلَا جِدٍّ، وَبَاطِلٌ بِلَا حَقٍّ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ هَذَا النَّظَرِ لَمْ يَنَلْ مِنْهَا إِلَّا مَأْكُولًا وَمَشْرُوبًا، وَمَلْبُوسًا وَمَنْكُوحًا وَمَرْكُوبًا، مِنْ غَيْرِ زَائِدٍ، ثُمَّ يَزُولُ عَنْ قَرِيبٍ؛ فَلَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ؛ فَذَلِكَ كَأَضْغَاثِ الْأَحْلَامِ، فَكُلُّ مَا وَصَفَتْهُ الشَّرِيعَةُ فِيهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَقٌّ، وَهُوَ نَظَرُ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَمْ يُبْصِرُوا مِنْهَا إِلَّا مَا قَالَ تَعَالَى مِنْ أَنَّهَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا وَصَفَهَا بِهِ، وَلِذَلِكَ صَارَتْ أَعْمَالُهُمْ {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} [النُّورِ: ٣٩] .
وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الْفُرْقَانِ: ٢٣] .
وَالثَّانِي: نَظَرٌ غَيْرُ مُجَرَّدٍ مِنَ الْحِكْمَةِ الَّتِي وُضِعَتْ لَهَا الدُّنْيَا؛ فَظَاهِرٌ أَنَّهَا مَلْأَى مِنَ الْمَعَارِفِ وَالْحِكَمِ، مَبْثُوثٌ فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَطِيرٍ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَأْدِيَةِ شُكْرِ بَعْضِهِ؛ فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا الْعَاقِلُ وَجَدَ كُلَّ [شَيْءٍ فِيهَا نِعْمَةً] ١ يَجِبُ شُكْرُهَا، فَانْتَدَبَ إِلَى ذَلِكَ حَسَبَ قُدْرَتِهِ وَتَهْيِئَتِهِ، وَصَارَ ذَلِكَ الْقِشْرُ مَحْشُوًّا لُبًّا، بَلْ صَارَ الْقِشْرُ نَفْسُهُ لُبًّا؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ نِعَمٌ طَالِبَةٌ لِلْعَبْدِ أَنْ يَنَالَهَا فَيَشْكُرَ لِلَّهِ بِهَا وَعَلَيْهَا، وَالْبُرْهَانُ٢ مُشْتَمِلٌ عَلَى النَّتِيجَةِ بِالْقُوَّةِ أَوْ بِالْفِعْلِ؛ فَلَا دِقَّ وَلَا جِلَّ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ إِلَّا وَالْعَقْلُ عَاجِزٌ عَنْ بُلُوغِ أَدْنَى مَا فِيهِ مِنَ الحكم والنعم، ومن ههنا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنِ الدُّنْيَا بِأَنَّهَا جِدٌّ وَأَنَّهَا حَقٌّ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [الْمُؤْمِنُونَ: ١١٥] .
وَقَوْلِهِ: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا} [ص: ٢٧] .
وَقَوْلِهِ: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِين، مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَق} [الدخان: ٣٨] .
١ كذا في "ط" فقط، وبدلها في سائر النسخ: "نعمة فيها".٢ تشبيه للتقريب. "د".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute