وقصر ذلك على الله، وذلك في فاتحة الكتاب:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين}(١) ، أي: إياك نعبد لا غيرك، وإياك نستعين لا بغيرك، ولا يخفى أن تقديم المعمول يفيد الحصر، فاشتملت هاتان الكلمتان على نوعي التوحيد؛ توحيد الإلهية، وهو الغاية وهو فعل العبد {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين} هو الوسيلة والمعين هو الله وحده. فالاستعانة بغيره فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك في الإلهية والربوبية، وقوله:{وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ}(٢) ، أي: في ذلك كله. قال العماد ابن كثير في تفسيره (٣) : (أي قصدي ونيتي وعزمي) .
قلت: فتناول هذه الآية أعمال العبد باطنها وظاهرها، وإن ذلك كله لله وحده لا يستحق غيره منه (٤) قليلاً ولا كثيراً. قال الله (٥) تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّه}(٦) .
قال العماد ابن كثير (٧) –رحمه الله – في تفسيره: {مُتَشَاكِسُونَ} ، أي: متنازعون (٨) في ذلك العبد المشترك بينهم، {وَرَجُلاً سَلَماً (٩) لِرَجُلٍ} خالصاً
(١) سورة الفاتحة، الآية: ٥. (٢) سورة الأنعام، الآيتان: ١٦٢و ١٦٣. (٣) انظر (٢/١٩٨) . (٤) في "م" و "ش": " ... منه غيره". (٥) سقط لفظ الجلالة "الله"من: "ش". (٦) سورة الزمر، الآية: ٢٩. (٧) انظر "تفسير ابن كثير": (٢/٢١٤) . (٨) في مطبوعة "تفسير ابن كثير" "يتنازعون". (٩) في مطبوعة "تفسير ابن كثير" "أي سالماً".