ومما جاء أيضًا من السنة في ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى جبرائيل -عليهم السلام- على صورته التي خلقه الله عليها مرتين في خَلْقٍ عظيم: قال ربنا سبحانه: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣)} [التكوير] وقال تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (١٥)} [النجم]. والمقصود بهذه الآيات جبريلُ -عليها السلام- وأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى جبريل ليلة الإسراء والمعراج.
تقول أمُّنا عائشة -رضي الله عنها- كما في صحيح مسلم-: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ»(١) وتقول -رضي الله عنها- أيضًا: كان يأتيه في صورة الرجال وإنه آتاه هذه المرة في صورته التي هي صورته فسَدَّ أُفُقَ السماء (٢).
وقال ابن مسعود -رضي الله عنه- كما في الصحيحين:"رأى محمد -صلى الله عليه وسلم- جبريل له ستمائة جناح"(٣) وقال أيضًا في قوله تعالى: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (١٨)} [النجم]: "أي: رفرفًا أخضر قد سَدَّ الأفق"(٤). وهذا الرفرف الذي سَدَّ الأفق هو ما كان عليه جبريل -عليها السلام-، رفرف ملأ ما بين السماء والأرض. وجاء في مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال:"رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جبريل -عليها السلام- في صورته، وله ستمائة جناح، كلُّ جناح منها قد سَدَّ الأفق، يسقُط من جناحه من التهاويل والدُّرِّ واليواقيت ما الله به عليم"(٥). والتهاويل أي: الأشياء المختلفة الألوان.
وقال ربنا سبحانه في وصف جبريل -عليها السلام-: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١)} [التكوير]. فالرسول الكريم المقصود به: جبريل -عليها السلام-، و {ذِي الْعَرْشِ} هو ربُّ العزة.
(١) صحيح مسلم (١٧٧). (٢) صحيح مسلم (١٧٧). (٣) البخاري (٣٢٣٢)، مسلم (١٧٤). (٤) البخاري (٣٢٣٣). (٥) مسند الإمام أحمد (٣٧٤٨).