وفي قوله تعالى:(وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا)[فاطر: ١٨] نَقَل القرطبي قول الفرّاء: أي نَفْس مُثْقَلَة، أو دَابّة، قال: وهذا يَقَع للمُذَكّر والْمُؤنّث.
وقول الأخفش: أي: وإن تَدْعُ مُثْقَلة إنْسَانًا إلى حَمْلِها، وهو ذُنُوبها … وحَكَى سيبويه: النَّاس مَجْزِيُّون بأعْمَالِهم إن خَير فَخَير؛ على هذا، وخيرًا فَخَير؛ على الأوَّل (٣).
ويَقول في آيَة "النحل": (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ): أي: بِكُفْرِهم وافْتِرَائهم وعَاجَلَهم (مَا تَرَكَ عَلَيْهَا) أي: على الأرض، فهو كِنَاية عن غير مَذْكُور، لكن دَلّ عليه قَوله:(مِنْ دَابَّةٍ)، فإنَّ الدَّابة لا تَدِبّ إلَّا على الأرْض، والْمَعْنَى الْمُرَاد: مِنْ دَابة كَافِرَة، فهو خَاص (٤). وقِيل: الْمَعْنَى: أنه لو أهْلَك الآبَاء بِكُفْرِهم لم تَكُنْ الأبْنَاء. وقِيل: الْمُرَاد بِالآيَة العُمُوم، أي: لو آخَذ الله الْخَلْق بِمَا كَسَبُوا ما تَرَك على ظَهْر هذه الأرْض من دَابة مِنْ نَبِيّ ولا غَيره، وهذا قول الحسن.
وقال ابن مسعود - وقَرأ هذه الآية -: لو آخَذ الله الخلائق بِذُنُوب الْمُذْنِبِين لأصَاب العَذَاب جَمِيع الْخَلْق حتى الْجُعْلان في
(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٧/ ١٤٠ - ١٤٣) باختصار. (٢) المرجع السابق (١٣/ ٢٩٣). (٣) المرجع السابق (١٤/ ٢٩٤، ٢٩٥). (٤) والقول بالعُموم أوْلَى؛ لأن الدواب لا توصف بالكفر، بل ذلك شأن العقلاء.