وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَتِ الْعِلَّةُ الْمُعَارِضَةُ لَهَا رَاجِحَةً عَلَيْهَا وَمُمْتَنِعَةَ التَّخْصِيصِ، وَقَدْ عُرِفَ مَا فِي ذَلِكَ. (١) وَأَنْ لَا تَتَضَمَّنَ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ مُنَافِيَةً لِمُقْتَضَى النَّصِّ. (٢) وَأَنْ تَكُونَ مُنْتَزَعَةً مِنْ أَصْلٍ مَقْطُوعٍ بِحُكْمِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ جَوَازِ الْقِيَاسِ عَلَى أَصْلٍ حُكْمُهُ ثَابِتٌ بِدَلِيلٍ مَظْنُونٍ.
وَأَنْ لَا تَكُونَ مُخَالِفَةً لِمَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ مُسْتَنِدًا إِلَى عِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ مِنْ أَصْلٍ آخَرَ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ عِلَّتُهُ مَعَ ظُهُورِهَا رَاجِحَةً. وَأَنْ يَكُونَ وُجُودُهَا فِي الْفَرْعِ مَقْطُوعًا بِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ وُجُودَهَا أَحَدُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ، فَكَانَ الظَّنُّ كَافِيًا فِيهِ، كَمَا فِي وُجُودِهَا فِي الْأَصْلِ، وَفِي كَوْنِهَا عِلَّةً، وَفِي نَفْيِ الْمُعَارِضِ عَنْهَا فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الشُّرُوطُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ.
[الْمَسْأَلَةُ التاسعة عشرة الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ فِي الْقِيَاسِ]
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ
اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ نَصْبَ الْوَصْفِ سَبَبًا وَعِلَّةً مِنَ الشَّارِعِ، وَأَنَّ دَلِيلَهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ شَرْعِيًّا.
وَسَوَاءٌ كَانَ كَوْنُهُ سَبَبًا وَعِلَّةً وَحُكْمًا شَرْعِيًّا أَوْ لَمْ يَكُنْ، كَمَا سَبَقَ وَجْهُ الْكَلَامِ فِيهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ فِي الْقِيَاسِ.
فَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَنَاوِلًا لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْفَوَاكِهِ: (مَطْعُومٌ) فَجَرَى فِيهِ الرِّبَا قِيَاسًا عَلَى الْبُرِّ، ثُمَّ دَلَّ عَلَى كَوْنِ الطُّعْمِ عِلَّةً بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: ( «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ
(١) تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّامِنَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى خِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ(٢) انْظُرْ ذَلِكَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ، هَلْ هِيَ نَسْخٌ أَوْ لَا؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute