[الْمَسْأَلَةُ الحادية عشرة اشْتِرَاطِ الْعَكْسِ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ]
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (١) اخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ الْعَكْسِ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ فَأَثْبَتَهُ قَوْمٌ وَنَفَاهُ أَصْحَابُنَا وَالْمُعْتَزِلَةُ.
وَقَبْلَ الْخَوْضِ فِي الْحِجَاجِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَقْسَامِ الْعَكْسِ، وَاخْتِلَافِ الِاصْطِلَاحَاتِ فِيهِ وَتَعْيِينِ مَحَلِّ النِّزَاعِ مِنْهَا.
فَنَقُولُ: أَمَّا الْعَكْسُ فِي اللُّغَةِ فَمَأْخُوذٌ مِنْ رَدِّ أَوَّلِ الْأَمْرِ إِلَى آخِرِهِ، وَآخِرِهِ إِلَى أَوَّلِهِ، وَأَصْلُهُ شَدُّ رَأْسِ الْبَعِيرِ بِخِطَامِهِ إِلَى ذِرَاعِهِ.
وَأَمَّا فِي اصْطِلَاحِ الْحُكَمَاءِ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ جَعْلِ اللَّازِمِ مَلْزُومًا وَالْمَلْزُومِ لَازِمًا مَعَ بِقَاءِ كَيْفِيَّةِ الْقَضِيَّةِ بِحَالِهَا مِنَ السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ (٢) وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ فِي عَكْسِ الْقَضِيَّةِ الْحَمْلِيَّةِ إِذَا كَانَتْ مُوجِبَةً كُلِّيَّةً كَقَوْلِنَا: (كُلُّ إِنْسَانٍ حَيَوَانٌ) ، أَوْ جُزْئِيَّةً كَقَوْلِنَا: (بَعْضُ الْإِنْسَانِ حَيَوَانٌ) ، (بَعْضُ الْحَيَوَانِ إِنْسَانٌ) ، أَوْ كُلِّيَّةً سَالِبَةً كَقَوْلِنَا: (لَا شَيْءَ مِنَ الْإِنْسَانِ بِحَجَرٍ) ، (لَا شَيْءَ مِنَ الْحَجَرِ بِإِنْسَانٍ) ، وَعَلَى قِيَاسِهِ عَكْسُ الْقَضِيَّةِ الشَّرْطِيَّةِ.
وَأَمَّا فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ فَقَدْ يَتَعَلَّقُ الْعَكْسُ بِاعْتِبَارَيْنِ:
الْأَوَّلُ مِنْهُمَا مِثْلُ قَوْلِ الْحَنَفِيِّ: لَمَّا لَمْ يَجِبِ الْقَتْلُ بِصَغِيرِ الْمُثَقَّلِ لَمْ يَجِبْ بِكَبِيرِهِ، بِدَلِيلِ عَكْسِهِ فِي الْمُحَدَّدِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ بِكَبِيرِ الْجَارِحِ وَجَبَ بِصَغِيرِهِ، وَهُوَ بَاطِلٌ
(١) الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ الْعَكْسِ مُتَفَرِّعٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ تَعَدُّدِ الْعِلَلِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ تُجْعَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بَعْدَ مَسْأَلَةِ تَعَدُّدِ الْعِلَلِ(٢) فِي الْمَخْطُوطَةِ بِجَعْلِ الْخَبَرِ مُبْتَدَأً وَالْمُبْتَدَأِ خَبَرًا مَعَ بَقَاءِ. . . إِلَخْ وَتَعْرِيفُ الْمَطْبُوعَةِ خَاصٌّ بِعَكْسِ الْقَضِيَّةِ الشَّرْطِيَّةِ، وَتَعْرِيفُ الْمَخْطُوطَةِ خَاصٌّ بِعَكْسِ الْقَضِيَّةِ الْحَمْلِيَّةِ، وَقَدْ عَرَّفَهُ صَاحِبُ مَتْنِ الْمُسْلِمِ بِتَعْرِيفٍ يَشْمَلُهُمَا فَقَالَ:الْعَكْسُ قَلْبُ جُزْأَيِ الْقَضِيَّةِ مَعَ بَقَاءِ الْكَمِّ وَالْكَيْفِيَّةِوَلَا صِدْقَ إِلَّا الْمُوجِبُ الْكُلِّيَّةِ فَعَوَّضُوهَا الْمُوجِبَ الْجُزْئِيَّةِفَهَذَا أَجْمَعُ مِنْ كُلٍّ مِنَ التَّعْرِيفَيْنِ وَأَنْسَبُ لِمَا ذَكَرَ بَعْدُ مِنَ التَّمْثِيلِ لِعَكْسِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْقَضِيَّةُ: الْجُمْلَةُ الْخَبَرِيَّةُ، وَالْكَمُّ: الْعَدَدُ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِكُلٍّ وَبَعْضٍ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا، وَالْكَيْفِيَّةُ: السَّلْبُ وَالْإِيجَابُ أَيِ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute