كَانَ لِكُلِّ قَبِيلٍ مِنَ الْجِنِّ مَقْعَدٌ مِنَ السَّمَاءِ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ، فَلَمَّا رُمُوا بِالشُّهُبِ، وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ قَالُوا: مَا هَذَا إِلا لِشَيْءٍ حَدَثَ فِي الأَرْضِ، وَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى إِبْلِيسَ، فَقَالَ: مَا هَذَا إِلا لِشَيْءٍ١ حَدَثَ فِي الأَرْضِ، فَائْتُونِي مِنْ تُرْبَةِ٢ كُلِّ أَرْضٍ، فَانْطَلَقُوا يَضْرِبُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، يَبْتَغُونَ عِلْمَ ذَلِكَ، فَأَتَوْهُ مِنْ تُرْبَةِ كُلِّ أَرْضٍ، فَكَانَ يَشُمُّهَا وَيَرْمِي بِهَا، حَتَّى أَتَاهُ٣ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا إِلَى تِهَامَةَ بِتُرْبَةٍ مِنْ تُرْبَةِ مَكَّةَ، فشمها، فَقَالَ: من هَا هُنَا يَحْدُثُ الْحَدَثُ. فَنَظَرَ، فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بُعِثَ، فَانْطَلَقُوا فَوَجَدُوا رَسُولَ اللَّهِ وَطَائِفَةً مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ بِنَخْلَةَ٤ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِهِمْ صَلاةَ الْفَجْرِ٥. فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ، فَقَالُوا: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَوَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، فَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا إِنَّا سمعنَا قُرْآنًا عجبا يهدي إِلَى الرشد. وَذَكَرَ تَمَامَ الْخَبَرِ٦.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ٧: وَحَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ٨، عَنْ خَالِدٍ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ عَنِ ابْنِ٩ إِدْرِيسَ، كِلاهُمَا عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
لَمَّا بُعِثَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُجِمَتِ الشَّيَاطِينُ بِنُجُومٍ لَمْ تَكُنْ تُرْجَمُ بِهَا مِنْ قَبْلُ، فَأَتَوْا عَبْدَ يَا لَيْلَ١٠ ابْنَ عَمْرٍو الثَّقَفِيَّ فَقَالُوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ فَزِعُوا وَأَعْتَقُوا رَقِيقَهُمْ وَسَيَّبُوا أَنْعَامَهُمْ لِمَا رَأَوْا فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ: وَكَانَ رَجُلا أَعْمَى: لَا تَعْجَلُوا وَانْظُرُوا، فَإِنْ كَانَتِ النُّجُومُ الَّتِي تُعْرَفُ فَهُوَ عِنْدَ فَنَاءِ النَّاسِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُعْرَفُ فَهُوَ من حدث، فنظروا،
١ فِي ر: لأمر.٢ هَكَذَا فِي ر وابْن سيد النَّاس، وَفِي الأَصْل: فِي كل تربة كل أَرض.٣ هَكَذَا فِي ر وابْن سيد النَّاس، وَفِي الأَصْل: فَأتوهُ. بإضمار الْفَاعِل فِي الْفِعْل ثمَّ إِظْهَاره، وَهِي لُغَة شَاذَّة. وَرُبمَا كَانَ ذَلِك من خطأ النَّاسِخ.٤ نَخْلَة: وَاد على بعد لَيْلَة من مَكَّة وَكَانَت عكاظ بَينه وَبَين الطَّائِف وَكَانَ سوقها ينْعَقد فِي ذِي الْقعدَة عشْرين يَوْمًا.٥ فرضت الصَّلَاة فِي أول الْبعْثَة المحمدية. وَكَانَت كل صَلَاة رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. وَيُقَال إِنَّهَا كَانَت أَولا رَكْعَتَيْنِ فِي الْغَدَاة وَرَكْعَتَيْنِ فِي الْعشي، ثمَّ فرضت الصَّلَوَات الْخمس لَيْلَة الْإِسْرَاء على نَحْو مَا سَيذكرُ ذَلِك ابْن عبد الْبر.٦ فِي ر: الحَدِيث.٧ روى ابْن سيد النَّاس هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عبد الْبر ذَاكِرًا طرقه وَأَسَانِيده فِي ١/ ٥٥.٨ هَكَذَا فِي ر وابْن سيد النَّاس، وَفِي الأَصْل: مُنَبّه، وَهُوَ تَصْحِيف.٩ هَكَذَا فِي ابْن سيد النَّاس، وَفِي الأَصْل ور: أبي.١٠ عبد يَا ليل: من رُؤَسَاء ثَقِيف، وَقد لحق الْإِسْلَام.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute