أَنَّ الْهِجْرَةَ الأُولَى هِجْرَةُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَأَنَّهُ هَاجَرَ فِي تِلْكَ الْهِجْرَةِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِامْرَأَتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِامْرَأَتِهِ رقية بنت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الأَسَدِ بِامْرَأَتِهِ أُمِّ سَلمَة بنت أُمَيَّةَ، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِامْرَأَتِهِ. وَهَاجَرَ فِيهَا رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ ذَوُو عَدَدٍ١ لَيْسَ مَعَهُمْ نِسَاؤُهُمْ. فَلَمَّا أُرِيَ رَسُولُ اللَّهِ دَارَ هِجْرَتِهِمْ قَالَ لأَصْحَابِهِ: "قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ: سَبَخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لابَتَيْنِ" ٢ وَهِيَ الْمَدِينَةُ. فَهَاجَرَ إِلَيْهَا مَنْ كَانَ مَعَهُ، وَرَجَعَ رِجَالٌ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ حِينَ سَمِعُوا بِذَلِكَ، فَهَاجَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، مِنْهُمْ عُثْمَانُ بِابْنَةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو سَلَمَةَ بِامْرَأَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ وَحَبَسَ "مُكْثٌ" بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَحَاطِبَ بْنَ الْحَارِثِ، وَمَعْمَرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيَّ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ شهَاب، وَرِجَال ذَوُو عَدَدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ الَّذِينَ هَاجَرُوا إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ حَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَرْبُ. فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ وَقَتَلَ اللَّهُ فِيهَا صَنَادِيدَ الْكُفَّارِ قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: إِنَّ ثَأْرَكُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَة، فأهدوا النَّجَاشِيِّ وَابْعَثُوا إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ ذَوِي رَأْيِكُمْ، لَعَلَّهُ يُعْطِيكُمْ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَتَقْتُلُونَهُمْ بِمَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ بِبَدْرٍ. فَبَعَثَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ٣، وَأَهْدَوْا لِلنَّجَاشِيِّ وَلِعُظَمَاءِ الْحَبَشَةِ هَدَايَا. فَلَمَّا قَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ قَبِلَ هَدَايَاهُمْ، وَأَجْلَسَ مَعَهُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى سَرِيرِهِ. [فَكَلَّمَ النَّجَاشَيَّ فَقَالَ: إِنَّ بِأَرْضِكَ رِجَالا مِنَّا لَيْسُوا عَلَى دِينِكَ وَلا عَلَى دِينِنَا فَادْفَعْهُمْ إِلَيْنَا فَقَالَ عُظَمَاءُ الْحَبَشَةِ لِلنَّجَاشِيِّ: صَدَقَ، فَادْفَعْهُمْ إِلَيْهِ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: فَلا وَاللَّهِ لَا أَدْفَعُهُمْ حَتَّى أُكَلِّمَهُمْ فَأَنْظُرَ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ هُمْ، فَأَرْسَلَ النَّجَاشِيُّ فِيهِمْ وَأَجْلَسَ مَعَهُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى سَرِيرِهِ٤] فَقَالَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: مَا دِينُكُمْ؟ أَنَصَارَى أَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَمَا دِينُكُمْ؟ قَالُوا: دِينُنَا الإِسْلامُ، قَالَ: وَمَا الإِسْلامُ؟ قَالُوا: نَعْبُدُ اللَّهَ وَلا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، قَالَ: وَمَنْ جَاءَكُمْ
١ مر بِنَا أَن عدد الْمُهَاجِرين إِلَى الْحَبَشَة فِي الْهِجْرَة الثَّانِيَة كَانَ ثَلَاثَة وَثَمَانِينَ رجلا وثماني عشرَة امْرَأَة.٢ اللابة: الْحرَّة، وَالْمَدينَة تقع بَين لابتين أَو حرتين بتَشْديد الرَّاء.٣ فِي بعض الرِّوَايَات أَن الَّذِي أَرْسلتهُ قُرَيْش مَعَ عَمْرو بن الْعَاصِ هُوَ عمَارَة بن الْوَلِيد، وَانْظُر الرَّوْض الْأنف ١/ ٢١٢ وَابْن سيد النَّاس ١/ ١١٨ والأغاني لأبي الْفرج الْأَصْفَهَانِي فِي طبعة دَار الْكتب ٩/ ٥٥ وسيشير إِلَى ذَلِك ابْن عبد الْبر فِي نِهَايَة الْقِصَّة.٤ زِيَادَة من ر سَقَطت من الأَصْل.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute