زعموا أن أخوين (٣) كانا فيما مضى في ابل لهما فأجدبت بلادهما، وكان قريباً منهما وادٍ فيه حية قد حمته من كل واحد، فقال أحدهما للآخر: يا فلان لو أني أتيت هذا الوادي المكلىء فرعيت فيه ابلي وأصلحتها، فقال له أخوه: إني أخاف عليك الحية، ألا ترى أحداً لم يهبط ذاك الوادي إلا أهلكته؟ قال: فو الله لأهبطن، فهبط ذلك الوادي فرعى إبله به زماناً، ثم إن الحية لدغته فقتلته، فقال أخوه: ما في الحياة بعد أخي خير ولأطلبن الحية فأقتلها أو لأتبعن أخي، فهبط ذلك الوادي فطلب الحية ليقتلها، فقالت: ألست ترى أني قتلت أخاك، فهل لك في الصلح فأدعك بهذا الوادي فتكون به وأعطيك ما بقيت ديناراً في كل يوم، قال: أفاعلة أنت؟ قالت: نعم، قال: فإني أفعل، فحلف لها وأعطاها المواثيق لا يضيرها، وجعلت تعطيه كل يوم ديناراًُ فكثر ماله ونبت إبله، حتى كان من أحسن
(١) الأغاني ٢٣: ٥٤٤ وديوان المتلمس (القصيدة رقم: ٩) . (٢) العنس: الناقة القوية، العرمس: الصلبة. (٣) قصة الحية وردت عند ابن قتيبة في الشعر والشعراء: ٩٦ (نقلاً عن المفضل) والميداني ٢: ٦١ ((كيف أعاودك وهذا أثر فأسك)) وانظر الدميري ١: ٧٣ وهي قصة تتردد خارج نطاق الأدب العربي، فنجد شبيهاً لها عند ايسوب (دالي رقم ٥١) وملحق بابريس رقم: ٥٧٣، ويقال أنها ترجع إلى أصل هندي؛ وقد عرضت لها بشيء من التفصيل في كتابي ((ملامح يونانية)) ص ٧٣ - ٧٥.