وهذا جنس من الكلام يُصدِّق بعضُه بعضاً من قولنا:"حَقٌّ وحقيقة. ونصُّ الحِقاق". فالحقيقة: الكلام الموضوع موضِعَه الذي ليس باستعارة ولا تمثيل، ولا تقديم فيه ولا تأخير، كقول القائل:"أحمدُ اللهَ على نِعَمِهِ وإحسانه". وهذا أكثر الكلام. قال الله جلّ ثناؤه:{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} ٢ وأكثر ما يأتي من الآي على هذا. ومثله في شعر العرب٣:
لَمالُ المرءِ يُصْلحِهُ فيَغْنى ... مفاقِرَه أعَفُ من القُنوعِ
وقول الآخر:
وفي الشرِّ نَجَاةٌ حِـ ... ـينَ لا يُنْجيكَ إحْسانُ
وأمّا "المجاز" فمأخوذ من "جازَ، يَجُوزُ" إذا استنَّ ماضياً تقول: "جاز بنا فلان. وجازَ علينا فارِس" هذا هو الأصل. ثم تقول:"يجوز أن تفعلَ كذا" أي: يَنْفُذ ولا يُرَدُّ ولا يُمْنَع. وتقول:"عندنا دراهم وَضَح وازِنَة وأخرى تَجُوزُ جَوَازَ الوازِنَة" أي: إن هذه وإن لم تكن وازِنة فهي تجوز "مجازَها" وجوازها لِقْربِها منها. فهذا تأويل قولنا:"مجاز" أي: إن الكلام الحقيقيّ يَمْضي لِسَنَنَهِ لا يُعْتَرض عليه،
١ لسان العرب: مادة "حقق" بلا عزو. والمقاييس: مادة "حق". ٢ سورة البقرة، الآية: ٤. ٣ ديوان الشماخ: ٢٢١.