يقول التابعي الجليل مسروق بن الأجدع رحمه الله:"شاممت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجدت علمهم انتهى إلى سِتّة: عمر وعليّ وعبد الله ومعاذ وأبي الدرداء وزيد بن ثابت، ثم شاممت السّتّة فوجدت علمهم انتهى إلى علي وعبد الله. ."(١).
وعبد الله، هو ابن مسعود - رضي الله عنه - الذي قال فيه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عندما أرسله إلى الكوفة:"إني قد بعثت إليكم بعمار بن ياسر أميرًا، وعبد الله بن مسعود معلِّمًا ووزيرًا. . فاقتدوا بهما واسمعوا قولهما، وقد آثرتكم بعبد الله على نفسي"(٢).
ولقد عني ابن مسعود بتفقيه أهل الكوفة وتعليمهم القرآن منذ أن بُنيت تلك المدينة سنة:(١٧ هـ)، إلى أواخر خلافة عثمان - رضي الله عنه -، عناية لا مزيد عليها، إلى أن امتلأت الكوفة بالقرّاء والفقهاء والمحدّثين، بحيث أبلغ بعض ثقات أهل العلم (٣) عدد من تتلمذ على يديه نحو أربعة آلاف عالم وتلميذ. . حتى إن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لما انتقل إلى الكوفة سُرّ من كثرة فقهائها وقال:"رحم الله ابن أمِّ عبد، قد ملأ هذه القرية علمًا (٤) ".
وكان من أبرز فقهاء الكوفة من التابعين: علقمة بن قيس النَّخَعي المتوفى سنة ٦٢ هـ، قال عنه ابن مسعود - رضي الله عنه -: "لا أعلم شيئًا إلّا وعلقمة يعلمه"(٥)، وإن مِن أبرز مَن تفقه على علقمة: إبراهيم بن يزيد النخعي، العالم التابعي الإمام،
(١) قال الحافظ الهيثمي في: "مجمع الزوائد" ٩/ ١٦٠: "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، غير القاسم بن معين وهو ثقة". (٢) "طبقات ابن سعد" ٦/ ٧، ٨. (٣) هو الإمام السرخسي في "المبسوط" ١٦/ ٦٨. (٤) انظر: "فقه أهل العراق وحديثهم"، للإمام الكوثري، ص ٥٢. (٥) المرجع السابق، ص ٥٦.