والحكمة في ذلك ليختبر صبره ويحسن تأديبه، لاحتمال ما يكلف به من أعباء النبوة.
وهذا الصوت هو كصوت الجرس يحتمل أن يكون صوت جبريل بالوحي أو أن يكون صوت أجنحته.
و «الجرس» بفتح الراء والسين والعامة «جرص» بالصاد.
فإن قيل: كيف شبه النبي - صلى الله عليه وسلم - صوت جبريل بصوت الجرس مع أن صوت جبريل محمود وصوت الجرس مذموم منهي عنه، فقد روينا في صحيح مسلم «إن الملائكة لا تصحب رفقة فيها كلب أو جرس»(١) ، وفيه «الجرس مزامير الشيطان»(٢)
، والمحمود لا يشبه المذموم، ويلزم منه أن يفعل الملك من مثله الملائكة؟
فالجواب: أن المقصود تشبيه صوت شديد بصورة شديد على وجه خاص ولا يلزم في التشبيه تساوي المشبه والمشبه به في الصفات كلها، بل يكفي اشتراكها في صفة ما.
والحاصل: أن صوت الجرس له جهتان جهة قوة وجهة طرب، فمن حيث القوة وقع التشبيه، ومن حيث الطرب وقع النهي عنه والتنفير منه، وعلل بكونه مزمار الشيطان.
فإن قيل: لأي شيء كانت هذه الحالة أشد الحالات عليه وأصعبها؟
(١) أخرجه مسلم في صحيحه (٣/١٦٧٢، رقم ٢١١٣) عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: «لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس» . والحديث رواه أيضاً: الترمذي في سننه (٤/٢٠٧، رقم ١٧٠٣) ، قال الترمذي: وفي الباب عن عمر وعائشة وأم حبيبة وأم سلمة وهذا حديث حسن صحيح، والنسائي في السنن الكبرى (٥/٢٥١، رقم ٨٨١٠) ، واحمد في مسنده (٢/٢٦٢، رقم ٧٥٥٦) ، وابن خزيمة في صحيحه (٤/١٤٦، رقم ٢٥٥٣) ، وابن حبان في صحيحه (١٠/٥٥٤، رقم ٤٧٠٣) ، وإسحاق بن راهويه في مسنده (١/٣٠٢، رقم ٢٨٠) ، وابن أبي شيبة في المصنف (٦/٤٢٤، رقم ٣٢٥٩٢) والبغوي في الجعديات (١/٣٩١، رقم ٢٦٧٠) ، والدارمي في سننه (٢/٣٧٤، رقم ٢٦٧٦) ، والديلمي في الفردوس (٥/٧٥، رقم ٧٥٠٠) . (٢) أخرجه مسلم في صحيحه (٣/١٦٧٢، رقم ٢١١٤) عن أبي هريرة. وأخرجه أيضاً: أحمد في مسنده (٢/٣٧٢، رقم ٨٨٣٨) ، وأبو يعلى في مسنده (١١/٣٩٨، رقم ٦٥١٩) ، والبيهقي في سننه الكبرى (٥/٢٥٣، رقم ١٠١٠٦) .