وفي التّاسعة والثّلاثين: حبّبت إليه الخلوة، فكان يخلو بغار (حراء) أيّاما بعد أيّام، يتزوّد لها. وكان في تلك المدّة يرى أنوارا، ويسمع أصواتا.
[الرّؤيا الصّادقة]
وفي السّنة الأربعين قبل مبعثه بستّة أشهر: كان وحيه صلى الله عليه وسلم مناما، وكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح. أي: مثل الصّبح المفلوق، أي: المنشقّ. ومنه: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [سورة الفلق ١١٣/ ١] .
[تسليم الحجر والشّجر عليه صلى الله عليه وسلم]
وكانت الأحجار والأشجار تسلّم عليه بالرّسالة.
وفي الحديث الصّحيح أنّه/ صلى الله عليه وسلم قال:«إنّي لأعرف حجرا بمكّة كان يسلّم عليّ قبل أن أبعث»«١» .
وفي «الصّحيحين» أنّه صلى الله عليه وسلم قال: «رؤيا المؤمن جزء من ستّة وأربعين جزآ من النبوّة»«٢» .
قال العلماء: لأنّ مدّة النّبوّة ثلاث وعشرون سنة، ونصف السّنة منها جزء من ستّة وأربعين جزآ.
وما أحسن قول صاحب البردة- رحمه الله- فيها، [من البسيط]«٣» :
أبان مولده عن طيب عنصره ... يا طيب مبتدإ منه ومختتم
يوم تفرّس فيه الفرس أنّهم ... قد أنذروا بحلول البؤس والنّقم
(١) أخرجه مسلم، برقم (٢٢٧٧) ، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه. (٢) أخرجه البخاريّ، برقم (٦٥٨٦) . ومسلم برقم (٢٢٦٤) ، عن عبادة ابن الصّامت رضي الله عنه. (٣) البردة، ص ١٩- ٢٠.