الثاني: عكس القول السابق، فالقدر هو الحكم السابق، والقضاء هو الخلق.
قال ابن بطال:" القضاء هو المقضي "(١) ومراده بالمقضي المخلوق، وهذا هو قول الخطابي، فقد قال في معالم السنن:" القدر اسم لما صار مُقدَّراً عن فعل القادر، كالهدم والنشر والقبض: أسماء لما صدر من فِعل الهادم والناشر والقابض.
والقضاء في هذا معناه الخلق، كقوله تعالى:(فقضاهن سبع سماوات في يومين)[فصلت: ١٢] أي خلقهن " (٢) .
وبناء على هذا القول يكون " القضاء من الله تعالى أخص من القدر، لأنّه الفصل بين التقديرين، فالقدر هو التقدير، والقضاء هو الفصل والقطع "(٣) .
ويدل لصحة هذا القول نصوص كثيرة من كتاب الله، قال تعالى:(وكان أمراً مقضياً)[مريم: ٢١] ، وقال:(كان على ربك حتماً مقضياً)[مريم: ٧١] . وقال:(وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون)[البقرة: ١١٧] .
فالقضاء والقدر - بناء على هذا القول - أمران متلازمان، لا ينفك أحدهما عن الآخر، لأن أحدهما بمنزلة الأساس وهو القدر، والآخر بمنزلة البناء وهو القضاء، فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء ونقضه " (٤) .
(١) فتح الباري: ١١/١٤٩. (٢) معالم السنن للخطابي: ٧/٧٠. (٣) المفردات للراغب الأصفهاني: ص٤٠٦. (٤) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير: ٤/٧٨. وانظر جامع الأصول: ١٠/١٠٤.