° قال ابنُ عربي في "فصوص الحكم": "وهنا سِرٌّ كبير، فإنه -أي موسى - عليه السلام - أجاب بالفعل لمن سألوه عن الحدِّ الذاتي -أي: بقوله: وما ربُّ العالمين؟ -، فجعل الحدَّ الذاتي عينَ إضافتِه إلى ما ظَهَر به من صُورِ العالم، أو ما ظَهَر فيه مِن صُور العالم (١)، فكأنه قال في جواب قوله:{وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء: ٢٣] قال: الذي تظهرُ فيه صورةُ العالمين مِن عُلوٍّ - وهو السماء، وسُفْل -وهو الأرض- {إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ}[الشعراء: ٢٤] "(٢).
° ثم قال:"فلمَّا جَعَل موسى المسؤولَ عنه عين [صور] العالَم، خاطَبَه فرعونُ بهذا السؤال -والقومُ لا يشعرون-، فقال له:{لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}[الشعراء: ٢٩]، والسين في "السِّجن" من حروف الزوائد، أي: لأسترنَّك، فإنك أجبتَ بما أيَّدْتَني به، أْن أقولَ لك مثلَ هذا القول، فإن قلت لي: فقد جهلتَ يا فرعونُ بوعيدك إيايَ -والعين واحدة- فكيف فرَّقت؟ فيقول فرعونُ: إنما فرَّقتُ المراتبَ العينَ، ما تفرَّقت [العين] ولا انقسمت في ذاتها، ومرتبتي الآن التحكمُ فيك يا موسى بالفعل، وأنا أنت بالعين، وغيرُك بالرُّتبة"(٣).
° ثم قال: "ولَمَّا كان فرعون في مَنصبِ التحكُّم صاحبَ الوقت، وأنه الخليفةُ بالسيف، وإن جار في العُرف الناموسيِّ، لذلك قال: {أَنَا
(١) يفتري هذا الزنديق العربيد على موسى بأنه أجاب أن الله عين كل شئ. (٢) "فصوص الحكم" (ص ٢٠٨). (٣) نفس المصدر السابق (ص ٢٠٩).