{وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: ٤٢] فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَغْفِرُ لِأَهْلِ الْإِخْلَاصِ ذُنُوبَهُمْ لَا يَتَعَاظَمُ عَلَيْهِ ذَنْبٌ أَنْ يَغْفِرَهُ وَلَا يَغْفِرُ شِرْكًا، فَلَمَّا رَأَى الْمُشْرِكُونَ قَالُوا إنَّ رَبَّنَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَلَا يَغْفِرُ الشِّرْكَ تَعَالَوْا نَقُولُ إنَّا كُنَّا أَهْلَ ذُنُوبٍ وَلَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَا إذَا كَتَمُوا الشِّرْكَ فَاخْتِمْ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ فَيُخْتَمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ فَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ عَرَفَ الْمُشْرِكُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَكْتُمُ حَدِيثًا. فَذَلِكَ قَوْلُهُ {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: ٤٢] .
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النازعات: ٢٧] {رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا - وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} [النازعات: ٢٨ - ٢٩] {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: ٣٠] فَإِنَّهُ خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ يَعْنِي ثُمَّ دَحَى الْأَرْضَ وَدَحْيُهَا أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى وَشَقَّ فِيهَا الْأَنْهَارَ وَجَعَلَ فِيهَا السُّبُلَ وَخَلَقَ الْجِبَالَ وَالرِّمَالَ وَالْآكَامَ وَمَا فِيهَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: ٣٠] وَقَوْلُهُ: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [فصلت: ٩] {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [فصلت: ١٠] وَجُعِلَتْ السَّمَاوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: ١٣٤] ، {غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: ٢٣] {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: ١٥٨] . فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَلِكَ، وَسَمَّى نَفْسَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْحَلْهُ أَحَدٌ غَيْرَهُ وَكَانَ اللَّهُ أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: احْفَظْ عَنِّي مَا حَدَّثْتُك وَاعْلَمْ أَنَّ مَا اخْتَلَفَ عَلَيْك مِنْ الْقُرْآنِ أَشْبَاهُ مَا حَدَّثْتُك، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ شَيْئًا إلَّا أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ وَلَكِنَّ النَّاسَ لَا يَعْلَمُونَ، فَلَا يَخْتَلِفُ عَلَيْك الْقُرْآنُ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ فِي تَارِيخِهِ عَنْ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ كَمَا رَوَاهُ الْبَرْقَانِيُّ
وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي يَسِيرٍ مِنْ الْأَحْرُفِ، وَمَا ذَكَرَهُ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ مُتَعَيَّنٌ لِمَا جَاءَ فِي الْآثَارِ مِنْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يَزَلْ كَامِلًا بِصِفَاتِهِ، لَمْ تَحْدُثُ لَهُ صِفَةٌ وَلَا تَزُولُ عَنْهُ صِفَةٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute