للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" وَالْخُلَّةُ " هِيَ كَمَالُ الْمَحَبَّةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ مِنْ الْعَبْدِ كَمَالَ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ، وَمِنْ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ كَمَالَ الرُّبُوبِيَّةِ لِعِبَادِهِ الَّذِينَ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، وَلَفْظُ الْعُبُودِيَّةِ يَتَضَمَّنُ كَمَالَ الذُّلِّ، وَكَمَالَ الْحُبِّ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: قَلْبٌ مُتَيَّمٌ إذَا كَانَ مُتَعَبِّدًا لِلْمَحْبُوبِ، وَالْمُتَيَّمُ الْمُتَعَبِّدُ، وَتَيَّمَ اللَّهُ عَبَدَهُ، وَهَذَا عَلَى الْكَمَالِ حَصَلَ لِإِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلٌ؛ إذْ الْخُلَّةُ لَا تَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ فَإِنَّهُ كَمَا قِيلَ فِي الْمَعْنَى.

قَدْ تَخَلَّلَتْ مَسْلَكُ الرُّوحِ مِنِّي وَبِذَا سُمِّيَ الْخَلِيلُ خَلِيلًا بِخِلَافِ أَصْلِ الْحُبِّ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «فِي الْحَسَنِ وَأُسَامَةَ: اللَّهُمَّ إنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا» «وَسَأَلَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إلَيْك؟ قَالَ: عَائِشَةُ قَالَ: فَمِنْ الرِّجَالِ؟ قَالَ: أَبُوهَا وَقَالَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ.

وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ، وَيُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، وَيُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، وَيُحِبُّ التَّوَّابِينَ، وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَيُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ، وَقَالَ: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: ٥٤] فَقَدْ أَخْبَرَ بِمَحَبَّتِهِ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَحَبَّةِ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ، حَتَّى قَالَ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: ١٦٥] ، وَأَمَّا الْخُلَّةُ فَخَاصَّةٌ.

وَقَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ: إنَّ مُحَمَّدًا حَبِيبُ اللَّهِ.

وَإِبْرَاهِيمَ خَلِيلُ اللَّهِ، وَظَنُّهُ أَنَّ الْمَحَبَّةَ فَوْقَ الْخُلَّةِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا أَيْضًا خَلِيلُ اللَّهِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ.

وَمَا يُرْوَى " أَنَّ الْعَبَّاسَ يُحْشَرُ بَيْنَ حَبِيبٍ وَخَلِيلٍ " وَأَمْثَالُ ذَلِكَ، فَأَحَادِيثُ مَوْضُوعَةٌ لَا تَصْلُحُ أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهَا.

وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى مَحَبَّةَ مَا أَحَبَّ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>