عباده، فيستضيئون بهذا القرآن في ظلمات الكفر، والشبهات، والضلال، والبدع، والشرك، والشهوات، والأهواء المردية، ويعرفون به الحقائق، ويهتدون به إلى الصراط المستقيم (١)، كقوله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ
لِّلْمُؤْمِنِينَ} (٢).
فهذا القرآن يعظ عن الأعمال الموجبة لسخط الله المقتضية لعقابه، ويحذر عنها ببيان آثارها ومفاسدها، وهو شفاء لِمَا في الصدور من أمراض الشهوات الصادرة عن [عدم](٣) الانقياد للشرع، وأمراض الشبهات القادحة في العلم اليقيني؛ فإن ما فيه من المواعظ والترغيب والترهيب، والوعد والوعيد مما يوجب للعبد الرغبة في الخير، والرهبة عن الشر (٤)، وكقوله تعالى:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا}(٥)، فالقرآن مشتمل على الشفاء والرحمة للمؤمنين به، المصدقين بآياته، العاملين بها، وأما الظالمون بعدم التصديق به، أو عدم العمل به، فلا تزيدهم آياته إلا خساراً؛ لأن الحجة
(١) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري، ٢١/ ٥٩٩ - ٥٦١، والجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، ١٦/ ٥٣ - ٥٩، وتفسير البغوي، ٤/ ١٣٢، وتفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ٤/ ١٢٤، واجتماع الجيوش الإسلامية، لابن القيم، ٢/ ٨٧ - ٨٨، والضوء المنير على التفسير، من كتب ابن القيم، جمع: علي الصالحي، ٥/ ٣٢٣. (٢) سورة يونس، الآية: ٥٧. (٣) زيادة يقتضيها السياق، أو الصادرة عن الانقياد للشرع. (٤) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص٣٢٣. (٥) سورة الإسراء، الآية: ٨٢.