فقد كان إبراهيم كثير الدعاء، حليماً عمّن ظلمه، وأناله مكروهاً، ولهذا استغفر لأبيه مع شدة أذاه له في قوله:{أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا}(٢).
فحلم عنه مع أذاه له، ودعا له، واستغفر (٣)، ولهذا قال تعالى:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ}(٤).
وهكذا جميع الأنبياء والمرسلين، كانوا من أعظم الناس حلماً مع أقوامهم في دعوتهم إلى الله تعالى (٥).
الصورة الحادية عشر: مع من سبّ
ومن وراء الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، يأتي الدعاة إلى الله والصالحون من أتباعهم، وإذا كان الله - عز وجل - قد جعل محمداً - صلى الله عليه وسلم - مثلاً عالياً في الحلم، فقد أراد لأتباعه أن يسيروا على نهجه وسنته، ولذلك يقول الله
(١) سورة التوبة، الآية: ١١٤. (٢) سورة مريم، الآيات: ٤٦ - ٤٨. (٣) انظر: تفسير ابن كثير، ٢/ ٣٩٦، والبغوي، ٢/ ٣٣٢، والأخلاق الإسلامية للميداني، ٢/ ٣٣٢. (٤) سورة التوبة: الآية: ١١٤. (٥) انظر: تفسير ابن كثير، ٢/ ١١٤، وموسوعة أخلاق القرآن للشرباصي، ١/ ١٨٥.